أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الأحد الماضي انسحابه من سباق انتخابات الرئاسة في نوفمبر المقبل، ليضيف إلى تفرد هذه الانتخابات بعداً جديداً، وهذه هي المرة الثالثة التي أكتب فيها عن هذا الموضوع.

في المرة الأولى، أشرت إلى تفرد هذه الانتخابات على الأقل بحكم أنها أول انتخابات يخوضها رئيس سابق فشل في انتخابات التجديد لولايته الأولى أمام الرئيس الحالي، وفي الثانية تناولت جانباً جديداً لتفردها بعد المناظرة التي جرت بين بايدن وترامب، باعتبارها أول مناظرة لا تفضي فحسب إلى التأثير على حظوظ المرشحَين في الفوز، وإنما أعقبها ظهور اتجاه أخذ يقوى شيئاً فشيئاً للمطالبة بتنحي بايدن عن السباق الانتخابي لضعف أدائه الظاهر في المناظرة بما يهدد فرص الحزب «الديمقراطي» في الاحتفاظ بالرئاسة.

ومع ظهور هذه المطالبة بدا أن الأمور تتعقد أكثر، فأكثر لعدد من الاعتبارات كان أهمها تمسك بايدن في البداية بالاستمرار في السباق على أساس اعتقاده، بأنه الأقدر على هزيمة ترامب، بينما لم تتفق شخصيات قيادية في معسكره أهمها الرئيس السابق باراك أوباما مع هذا الرأي، وازدادت المشكلة تعقيداً عندما تجاوز الأمر مجرد إبداء الآراء إلى التهديد بوقف تمويل الحملة الانتخابية لبايدن، بل لقد بدأ ذلك يحدث بالفعل، ومع هذه التطورات أخذ بعض المؤشرات في الظهور بما يفيد بدء تفهم بايدن وأسرته ومعاونيه لمطلب انسحابه من السباق إزاء تصاعد موجة المطالبة بانسحابه إلى أن حسم أمره، ولقي قراره إشادة واسعة من قيادات الحزب «الديمقراطي».

إلا أن هذا لا يعني أن معضلة الحزب في هذه الانتخابات قد حُلَّت؛ ذلك لأن انسحاب بايدن أفضى إلى مشكلة من نوع آخر لا تقل خطورة عن مشكلة استمراره في السباق، وهي معضلة الاتفاق على المرشح الذي سيخلفه، وهل يكون نائبته التي لا يوجد إجماع على أنها الأجدر بخلافته، كما أن انسحاب بايدن سوف يفتح دون شك شهية البعض وربما الكثيرين للتقدم، كذلك فإن بعض القيادات المخلصة والجادة في الحزب «الديمقراطي» قد يقترح من يراه أجدر على الاضطلاع بهذه المهمة الصعبة. وقد بدأت محاولات جادة من عدد يُعتد به من قيادات الحزب «الديمقراطي» لتوحيد الصفوف حول كمالا هاريس نائبة الرئيس باعتبار أن هذا هو الخيار المنطقي، والأهم أنه يجنب الحزب مغبة الانقسام حول عدد من المرشحين يرى كل منهم أنه الأجدر بقيادة البلاد، والأقدر على هزيمة ترامب، علماً بأن جوانب القصور التي ينسبها البعض لهاريس يمكن معالجتها باختيار شخصية قوية ذات خبرة تكون قادرة على سد الثغرات في قدراتها، وهنا يتجدد الأمل لدى الحزب في الاحتفاظ بالرئاسة، خاصة وأنه كما أن لترامب أنصاره المتشددين، فإن له أيضاً خصومه الأقوياء الذين يرون في عودته لمنصب الرئيس كارثة وطنية، كذلك فمن المتوقع أن تحظى هاريس بتأييد أكبر من النساء والأقليات في معسكر المستقلين.

ويرى البعض بحق أن السيناريو الأفضل هو أن يتم توحيد الرأي حول ترشيح هاريس واسم نائبها قبل انعقاد مؤتمر الحزب «الديمقراطي»، بحيث لا يكون المؤتمر حلبة للانقسام في هذا الوقت الحرج، كي يتم توحيد الصفوف والتفرغ لتعويض التراجع الذي أصاب شعبية المرشح «الديمقراطي» على خلفية التطورات الأخيرة.

*أستاذ العلوم السياسية- جامعة القاهرة