استكملت الحرب الروسية الأوكرانية عامَها الثاني قبل أشهر قليلة، الحربُ التي وُصفت بأنها الأكثر دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ومرشحة لأنْ يطول أمدها أكثر مما كان متوقعاً لدى اندلاعها، لاسيما أن السلاح الغربي المقدَّم لأوكرانيا مقيدٌ بحدود معينة لا يتجاوزها نحو الداخل الروسي، والمقاتلات والصواريخ الروسية لا يتعدى مداها مدنَ دول الجوار، وقوة فاغنر العسكرية التي كان لعملياتها العسكرية دور حاسمٌ تم إخراجها من الميدان، فيما تستمر معارك الكر والفر وفق نمط دراماتيكي. ومع ذلك فقد امتدت آثارُ الحرب إلى كل مفاصل الحياة في أوروبا، وأصبح التحدي الأكبر الذي تواجهه «القارة العجوز» على مختلف الصعد، وعادت أجواء الحرب الباردة لتخيم على الحياة الأوروبية بعد أن حذرت موسكو من الخطط الأميركية لنشر الصواريخ الأميركية بعيدة المدى في ألمانيا، والتي من شأنها أن «تجعل عواصم أوروبية أهدافاً للصواريخ الروسية».

ولهذا تجد أوروبا نفسها عالقةً وسط الصراع الدولي من جديد، فروسيا ترى أن حربَها في أوكرانيا شرعية، وأن هدفها تحقيق الأمن والسلام بين البلدين معاً، بينما ترى واشنطن والدول الأوروبية «احتلالاً لا يمكن القبول به أو التسليم له»! وعسكرياً، لا توجد مؤشراتٌ لحسم وشيك لدى أي من الأطراف الفاعلة في الحرب، فروسيا لا تريد الانزلاق في حرب كبرى مع الغرب الذي يقف وراء أوكرانيا ويمدها بالدعم لإطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها، وأوكرانيا عاجزة بمفردها حتى عن التصدي للهجمات الروسية بوتيرتها الحالية، فما بالكم بإمكانية الحسم أو القدرة على الردع، والغرب الذي يسهم بقوة في استمرار سعير الحرب، لا يريد لها أن تحسم في القريب العاجل، فالأسلحة النوعية التي يقدمها لأوكرانيا مقيدة سياسياً وعسكرياً، والهدف منها فقط أن تمنع أوكرانيا من الهزيمة دون أن تحقق لها النصرَ أو تمنحها القدرةَ على الحسم، وكييف من ناحيتها تواجه تحدياً مزدوجاً يتمثل في صعوبة الوضع على الجبهة، وعدم اليقين السياسي حول مدى الدعم المستقبلي الذي ستحصل عليه من حلفائها الغربيين.

ووفق تلك المعادلة الصعبة من حيث التنفيذ، وحتى من حيث الفهم، تستمر الحرب الروسية الأوكرانية في طي شهورها، دون أي ضوء في الأفق يدعو للتفاؤل بانتهائها، أو أي جهد دولي حقيقي يدعو أطرافَها لوقف القتال والانخراط في برامج ومبادرات من أجل المصالحة وإعادة بناء السلام على أسس تضمن استقرار المنطقة وتُبعد شبحَ الحرب والخراب الذي هدد فرص التنمية ويتسبب في العديد من التحديات العالمية على مستوى سلاسل إمداد الطاقة والغذاء والمواد الخام الأولية. وعملياً، دعمت الولايات المتحدة وأوروبا أوكرانيا بنحو 200 مليار دولار، لتعزيز صمودها من أجل استمرار الحرب، وخصص الكونجرس الشهر الماضي 175 مليار دولار سيوجَّه جزءٌ كبير منها لأوكرانيا، وسخَّر الغربُ كلَّ إمكانياته السياسية والإعلامية وتحالفاته الدولية من أجل الضغط على روسيا .

ومع وجود إدارة أميركية تستكمل قريباً فترتَها الرئاسية بلا عناوين واضحة، وقد عجزت عن استثمار المتغيرات الدولية بنجاح، وعن استشراف المستقبل برؤية واضحة ذات بعد قيمي واستراتيجي.. تتحول العديدُ من الصراعات إلى حروب، ويمتد أجل الحروب دون رؤية واضحة لتحقيق الأمن والسلم الدوليين. ولن يقتصر الأمر على أوكرانيا وفلسطين إن لم تدرك واشنطن أهميةَ تحمل مسؤولياتها الدولية انطلاقاً من التزام قيمي وأخلاقي يتعين عليها كقوة دولية كبرى.

* كاتبة إماراتية