في إطار تعزيز الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الجانبين، جاءت الزيارة الأخيرة للرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو إلى دولة الإمارات، والتي شهدت بحث مسار تطور العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين، في إطار الشراكة الاقتصادية الشاملة التي تجمعهما والحرص المشترك على مواصلة دفعها إلى الأمام، بما يسهم في تحقيق رؤى الدولتين نحو التنمية والازدهار المستدام.

وقد أعرب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عن تقديره للدور المهم الذي قام به الرئيس الإندونيسي في تطوير علاقات الدولتين وازدهار تعاونهما، كما عبّر سموه عن تقديره للعمل مع الرئيس جوكو ويدودو خلال السنوات الماضية من أجل تنمية علاقات التعاون الثنائي بين الإمارات وإندونيسيا وتعزيز مصالحهما المشتركة، وقال سموه: «الحمد لله.. استطعنا تحقيق إنجازات نوعية في هذا المسار، سواء في مجالات الطاقة المتجددة والتجارة والأمن الغذائي أو في البنية التحتية والنقل والتعليم والصحة والعمل المناخي وغيرها».

وفي الواقع، فإن تتبُّع مسار تطور العلاقات الإماراتية الإندونيسية خلال العقد الأخير يوضح مدى التطور الذي شهدته هذه العلاقات، ففي عام 2014، كان حجم التبادل التجاري غير النفطي بين الدولتين 2.7 مليار دولار، ووصل العام الماضي إلى 4.4 مليار دولار، وزادت قيمة التبادل التجاري بين الدولتين خلال عام 2023 لتتجاوز 16 مليار درهم، بنسبة نمو وصلت إلى 7.2% مقارنة بعام 2022. وبشكل إجمالي، تخطى التبادل التجاري بين الدولتين حاجز الـ100 مليار درهم خلال 10 سنوات.

وقد شكلت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الدولتين خلال عام 2022، والتي دخلت حيزَ التنفيذ في سبتمبر 2023، نقطة تحول نوعية أسهمت في توسيع آفاق التعاون الاقتصادي وخدمة التنمية المشتركة لكل من الإمارات وإندونيسيا، مع الإشارة في هذا السياق إلى أن الإمارات هي الدولة الأولى في منطقة الشرق الأوسط التي ترتبط مع إندونيسيا بهذه الشراكة.

ومما لا شك فيه أن هذا التطور الكبير الذي تشهده العلاقات بين الإمارات وإندونيسيا تقف وراءه رغبة الدولتين في تعزيز هذه العلاقات والوصول بها إلى أفضل مستوى ممكن من التعاون الثنائي على النحو الذي يحقق مصالحهما الاستراتيجية المشتركة، فضلاً عن العلاقات المتميزة التي تجمع بين صاحب السمو رئيس الدولة وفخامة الرئيس الإندونيسي.

وثمة عوامل عدة مهّدت لهذا التطور الكبير الذي تشهده العلاقات بين الإمارات وإندونيسيا، ويمكن الإشارة على وجه التحديد إلى ثلاثة عوامل رئيسية: أولها، الاهتمامات المشتركة بقضايا الطاقة المتجددة والبيئة والعمل المناخي، إضافة إلى مجالات التجارة والاستثمار. والعامل الثاني، هو كون الدولتان تمثلان نموذجين حقيقيين للتسامح، فمجتمع دولة الإمارات يتميز بقدر هائل من التنوع، ولكن الجميع يعيش في تناغم تام، والقول نفسه ينطبق على حالة إندونيسيا التي نجحت في ترسيخ أسس مجتمع تعددي، على الرغم من كونها أرخبيلاً يضم أكثر من 17 ألف جزيرة ويتحدث سكانها أكثر من 700 لغة، كما يضم هذا المجتمع عرقيات متعددة، وثالث هذه العوامل يتمثل في توافق الرؤى بين الدولتين بشأن القضايا الدولية محل الاهتمام المشترك في المرحلة الحالية.

واستكمالاً لمسار التعاون في مجالات مختلفة، فقد شهدت الزيارةُ توقيعَ العديد من الاتفاقيات المهمة في المجالات التي تمثل أولويات التنمية المستدامة في البلدين، ومنها اتفاقية تعاون لتركيب أنظمة طاقة شمسية على أسطح منشآت صناعية وتجارية في إندونيسيا، ومذكرة تفاهم حول إدارة الميزانية العامة، ومذكرة تفاهم بين مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي والبنك المركزي الإندونيسي بشأن الأنظمة الذكية، ومذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، ومذكرة تفاهم بين مركز دبي المالي الدولي والهيئة المالية في نوسانتارا.

لقد اتسمت العلاقات الإماراتية الإندونيسية بأنها تشهد تطوراً مستمراً، في ظل رغبة مشتركة وتوافق في الاهتمامات والسياسات بين الجانبين، ومن المتوقع أن تشهد هذه العلاقات المزيد من التطور في ظل ما أسفرت عنه زيارة الرئيس الإندونيسي للإمارات من اتفاقيات تعاون جديدة.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.