ثمة أيام في تاريخ الأمم والدول والشعوب يجب التوقف أمامها، تقديراً لما شهدته من وقائع وأحداث محورية، وإحياءً لذكرى القادة الكبار الذين أسهموا بحكمتهم ووعيهم وقوة عزيمتهم في صناعتها، بعد أن كانت تبدو أحلاماً بعيدة المنال. ويوم 18 يوليو 1971 أحد هذه الأيام التي لا تنسى في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث وقَّع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مع إخوانه حكام الإمارات، وثيقة الاتحاد، ودستور الدولة، ليكون هذا اليوم العلامة الأبرز في الطريق إلى تحقيق حلم زايد وحلم أبناء الإمارات جميعاً، وهو دولتهم التي تأسست في الثاني من ديسمبر من العام نفسه.

لقد كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قائداً استثنائياً، جاء في الوقت المناسب، ليخط فصلاً جديداً في تاريخ أبناء الإمارات، متغلباً على تحديات شائكة في واقع معقد، من أجل تحقيق هذا الحلم، وقد عبر، طيب الله ثراه، عن هذه التحديات بقوله: «أنا أعلم هذه العقبات ولكن لا أومن بالمستحيل. لنحاولْ في كل ما نتصوره مستحيلاً حتى يقرُب من الواقع، ثم يصبح واقعاً نعيش فيه».

ونجح الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في بناء دولة الاتحاد في ظل ظروف إقليمية ودولية صعبة، ثم في قيادة تجربة ثرية حافلة بالدروس للمضي بها بثبات نحو التنمية والرخاء، لتحقِّقَ لأبنائها أفضل مستويات الحياة من جانبيها المادي والمعنوي، وتمدَّ يدها بالخير والمساعدة إلى كل دول العالم، وترسّخَ قيماً إنسانية عملت بجدٍّ من أجلها، وتصبح محط الاحترام والإعجاب لدى كل الدول والشعوب.

هذه المعاني جميعها، وغيرها الكثير، تقف وراء إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، يوم 18 يوليو، مناسبة وطنية، تحمل اسم «يوم عهد الاتحاد»، ليكون فرصة لإعادة تأمل هذا اليوم الحاسم في تاريخ دولة الإمارات، والفهم المتجدد لدلالاته ومعانيه في ظل ما يستجد من وقائع وأحداث، لأن كل عام يمر منذ هذا التاريخ يلقي أضواءً جديدة على قدرة الآباء المؤسسين لدولة الإمارات، على استشراف المستقبل، ووضع الأسس المتينة لنجاح الدولة في مراحل سبقت تأسيسها، وتعود إلى سنوات المباحثات والمفاوضات التي أدت إلى قيامها.

إن اختيار «العهد» لوصف ما تم الاتفاق عليه هذا اليوم التاريخي يجسد جوهره الحقيقي، الذي يتجاوز جانب التعاقد القانوني المُلزم إلى كونه التزاماً أخلاقيّاً يعود التمسك به إلى الإيمان بسمو المهمة والرسالة والمسؤولية التي يتحملها المتعاقدون، ومثل هذا الإيمان العميق هو القوة الدافعة التي ساعدت على تنفيذه نصًّا وروحًا، وسهلت التغلب على كل العقبات التي اعترضت بناء الاتحاد وترسيخ أسسه.

وكان استقبال أبناء دولة الإمارات إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، «يوم عهد الاتحاد»، تعبيراً صادقاً عن عمق الولاء والانتماء إلى الدولة، والاعتزاز بمسيرتها التاريخية التي لا تزال بحاجة إلى استكشاف المزيد من صفحاتها الناصعة، ولاسيما الجهود التي تواصلت عبر سنوات طويلة من أجل تأسيس الاتحاد، الذي كان نقطة الانطلاق الأولى والركيزة الأساسية في كل ما أنجزته الإمارات من نهضة شاملة، وما أتاحته لأبنائها ولمن يعيشون على أرضها من فرص الحياة الكريمة التي يستحقونها، ما جعلها وجهة مئات الملايين من البشر من كل أنحاء العالم، ممن عبروا عن رغبتهم في أن يعيشوا فيها، وينعموا بما توفره لهم من أمن وأمان وكرامة واحترام لإنسانية الإنسان.

وفي هذه المناسبة، وفي كل المناسبات الوطنية، تكون الرسالة الأهم هي التفاف أبناء دولة الإمارات حول قيادتهم الرشيدة، على قلب رجل واحد، في البيت المتوحَّد، متطلعين بتفاؤل إلى غد يحمل لهم المزيد من الإنجاز، وتحقيق الطموحات الكبرى.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.