أكثر من نصف قرن والإمارات تتألق في علاقاتها الدولية والإقليمية، وتبحث عن آفاق رحبة وفرص واعدة ترضي طموحاتها وتلبي احتياجاتها المستقبلية، وتدفع ثمن استحقاقات ذلك بعقول قادتها واقتصادها الصاعد.

إندونيسيا واحدة من تلك الدول التي لديها مشتركات مميزة مع الإمارات، وأهمها خريطة طريق التسامح لا تقل أهمية عن طريق الحرير في الاقتصاد والاستثمار والتجارة والسياحة. مساحة التسامح في الإمارات تغطي أكثر من 200 جنسية تقارب تسعة ملايين نسمة، يساهمون في بناء خطوط المستقبل مع العالم أجمع.

لماذا إندونيسيا؟ لأنها أكبر دولة مسلمة في جنوب شرق آسيا، وهي بذاتها شبه قارة، ورابع دولة في العالم من حيث عدد السكان الذي يبلغ أكثر من ربع مليار نسمة، تتحدث بـ 700 لغة، تشمل كل تنوع الفسيفساء في تلك المنطقة الحيوية من العالم. تفكير الإمارات الاستراتيجي دفعها للبحث عن قرابة ثلاثمائة مليون مسلم وغير مسلم يقطنون أرض البهارات على طول الطريق البري من جاكرتا إلى باندونج قلب صناعة الطيران في قارة آسيا ومنشأ دول عدم الانحياز.

أكثر من 100 ألف إندونيسي مقيمون في الإمارات، وأكثر من سبعة آلاف سائح إماراتي يزورون إندونيسيا سنوياً بسبب التنوع الذي يتمتع بهما المجتمعان، في الأديان والمعتقدات، وكذلك في الإنسان والعمران، إضافة إلى الشطئان الخلابة والطبيعة الساحرة، ففي أبوظبي وحدها 200 جزيرة من غير الجزر الصناعية على مستوى الدولة، وبالمثل مع الأخذ في الاعتبار نسبية المساحة الجغرافية، ففي إندونيسيا أكثر من17 ألف جزيرة لا يكفي العمر للتجوال فيها، ويطوق كافة سكانها عِقد الإسلام السمح يتناغمون معه في سينفونية مميزة من التعايش السلمي. المشترك الآخر يمتد إلى العلاقات الاقتصادية المتواصلة بين البلدين في كافة المجالات التقليدية والحديثة، ابتداء من تبادل السلع والبضائع المعفية من الرسوم والضرائب لتسهيل عملية العبور، وانتهاء بأرقى الوسائل التكنولوجية المعاصرة.

و قد ازدادت هذه العلاقات تماسكاً ومتانة مع توجيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، منذ شهر مارس 2021 باستثمار 10 مليارات دولار في إندونيسيا لتصبح بذلك الإمارات أكبر مساهم في الصندوق السيادي، باستثمارها في قطاعات استراتيجية تشمل البنية التحتية والطرق والموانئ والسياحة والزراعة وغيرها من القطاعات. وبموجب اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة فإن أكثر من 80% من صادرات الإمارات إلى إندونيسيا ستحظى بإعفاء فوري من الرسوم الجمركية، كما تسهم الاتفاقية في زيادة القيمة الإجمالية للتجارة في الخدمات بين البلدين وصولاً إلى 630 مليون دولار بحلول عام 2030، وتتمتع إندونيسيا كما تحظى الإمارات بموقع جغرافي متميز عند تقاطع طرق تجارية رئيسية توفر ترابطاً أكبر يتيح سهولة تدفق السلع والخدمات.

و في إمارة دبي وحدها، تعتزم أكثر من 70 شركة إندونيسية بحث تأسيس أعمال بشكل مباشر أو زيادة التنسيق مع أطراف وشركات تعمل في دبي والإمارات بغرض زيادة التبادل التجاري، وقد ارتفع عدد الشركات الإندونيسية من 29 شركة في عام 2014 بدبي ليصل إلى 114 شركة نشطة بنهاية الربع الأول من عام 2024 الجاري، بنمو بلغ 293% خلال هذه الفترة.

و هناك دور استراتيجي بعيد المدى من خلال هذه الزيارات البينية يؤديه صاحب السمو رئيس الدولة على جميع الأصعدة لترسيخ مكانة الإمارات البارزة في لحظتها التاريخية الراهنة لإرساء دعائم الأمن والاستقرار والتعايش السلمي في العالم، ودفع قطار الازدهار والتنمية من أجل مستقبل واعد للبشرية جمعاء.

*كاتب إماراتي