مجموعة من طلاب المدارس الابتدائية يسيرون معاً عبر أحد الممرات المخصصة للمشاة في العاصمة اليابانية طوكيو، وهم يحملون حقائب الظهر المميزة «راندوسيرو» التي ما فتئ أطفال المدارس اليابانية يستخدمونها منذ قرابة قرن ونصف القرن. ومع أن اقتناءها ليس إجبارياً بالنسبة لطلاب المدارس، فقد تعودت معظم الأسر اليابانية على شرائها، لأنها قوية وتدوم عدة أعوام ولا تؤذي ظهر الطفل وهو يحملها.

وتلاميذ المدارس اليابانية الذين هم الآن في الشهر الثالث من سنتهم الدراسية، يواظبون على التقيد بتقاليد وتوقعات غير مكتوبة وغير ملزمة، ومنها حقيبة الظهر «راندوسيرو».

وهذا التقيد جزء من ثقافة المجتمع الياباني نفسه، إذ يغرس التوقعات الثقافية بشكل متكرر في نفوس أطفاله، داخل المدرسة وفي المنزل، حيث يؤدي دور الأقران تأثيراً قوياً لا يقل أهمية عن أي سلطة قانونية، وهذه واحدة من الخصائص الرئيسية التي تساعد المجتمع الياباني على السير بسلاسة في إدارة علاقاته وشؤونه جميعاً. وعلى سبيل المثال، فإن الحكومة اليابانية، خلال جائحة فيروس كورونا، لم تفرض مطلقاً ارتداءَ الكمامات ولم تطبِّق عمليات الإغلاق.. ومع ذلك فقد ارتدى غالبية السكان أغطيةَ الوجه في الأماكن العامة وامتنعوا عن الخروج إلى الأماكن المزدحمة. ومن الممارسات التي يميل إليها اليابانيون تلقائياً الوقوف بهدوء في الطوابير، والالتزام بإشارات المرور، والتنظيف خلفهم أثناء وبعد ممارسة الرياضة.. إلخ، لأنهم تدربوا على القيام بذلك منذ مرحلة رياض الأطفال.

وفيما يخص حقيبة الظهر المدرسية، يقول أحد خبراء التعليم اليابانيين إن حمل «راندوسيرو» الضخمة إلى المدرسة ليس قاعدة يفرضها أي قانون، بل عرف يلتزم به الجميع معاً. ويعود تاريخ «راندوسيرو» إلى القرن التاسع عشر، أي إلى عصر ميجي، عندما انتقلت اليابان من بلد إقطاعيات معزولة إلى دولة حديثة تعيش في علاقة جديدة مع العالم الخارجي، حيث ساعد النظامُ التعليمي في توحيد شبكة الإقطاعيات المستقلة، ذات العادات المتباينة، وصهرها في بوتقة أمة واحدة ذات ثقافة مشتركة. وساعدت المدرسة اليابانية، بشكل خاص، على غرس فكرة مفادها أن «الجميع جزء من عائلة واحدة».

(الصورة من «نيويورك تايمز»)