إذا اقتنعنا بأن هطول الأمطار الغزيرة هي ظاهرة تتسبب في مشكلات وتحدث أضراراً لدى العديد من دول العالم الزراعية تؤدي إلى حدوث مجاعة لديها، فإن ذلك لا يعني بأن هذه المشكلة ستحدث مستقبلاً لدى دولة الإمارات بنفس الطريقة وتتسبب بنفس الأضرار.

لكن هذا الطرح لا ينفي أن تتشكل ظاهرة جزئية فقط، فدولة الإمارات تسعى إلى توسعة الرقعة الزراعية الداخلية التي لديها ، كجزء من مشاريعها الاستراتيجية للأمن الغذائي. أما بالنسبة لدول العالم النامي التي تتضرر من هطول الأمطار التي تدمر محاصيلها الزراعية فهي تعاني من نقص في الغذاء ولا تستطيع استيراد جميع احتياجاتها الغذائية بسبب نقص السيولة النقدية اللازمة للاستيراد.

مسألة هطول الأمطار في الموسم الماضي على الإمارات ودول إقليم الخليج العربي الأخرى تم تضخيمها والمبالغة حول الأضرار التي تسببت فيها رغم أنها كانت أمراً عادياً ويحدث في أقطار أخرى في كل موسم وتتسبب في كوارث طبيعية يذهب ضحية لها العديد من أرواح البشر والممتلكات.

وحقيقة أن هذا ليس بالأمر المستجد على البشر، إنما هو سلوك يحدث في كل زمان ومكان تجاه العديد من القضايا. لنأخذ مثلاً تلوث الهواء - خلال ذروة الرأسمالية الصناعية غير المنظمة في القرن التاسع عشر كان تلوث الهواء أسوأ بكثير في معظم مدن أوروبا الرئيسية مما كان عليه في ستينيات القرن العشرين عندما أصبحت المحافظة على البيئة حركة اجتماعية - سياسية رئيسية. تلوث الهواء كان شيئاً بسيطاً في الأيام الخوالي قبل اختراع المراجل التجارية. كانت وسائل تشغيل المصانع والآلات وتدفئة المباني تستهلك كميات ضخمة من الفحم الحجري، لكن الانبعاثات المتدفقة ليست كاليوم، والدخان والأبخرة المنبعثة عادة ما يتم النظر إليها بشكل إيجابي وعاطفي على أنها دليل على التقدم المبهر الذي تجلبه الصناعة للشعوب المحظوظة في الغرب الغني وليس كانبعاث دخان وأبخرة مرعب. ما أريد قوله، إن هذه هي الطبيعة البشرية تجاه معظم القضايا التي يتم إلقاء الضوء عليها، بما في ذلك الصعد الاجتماعية والسياسية، فنفس التحليل ينطبق على قضايا حقوق الإنسان وعدم المساواة وأنماط نظم الحكم السياسية ومعاملة المرأة، فرغم أن هذه القضايا قائمة لوقت طويل والبعض منها حاد جداً إما لأنها لم تترجم كمشاكل قائمة، أو أنها عوملت كقضايا محلية هامشية وعابرة وتحتاج إلى معالجات محلية فقط أو بأنها ليست بمشاكل على الإطلاق.

المنتقدون من الخارج يتناسون بأن للدول سيادة وبأنها تمارس سلطتها وصلاحياتها ضمن هذه السيادة، وهي التي تدير شؤون مجتمعها دون أن تسمح أو تنتظر من الآخرين التدخل فيها. هي تعتقد بأنه أكثر مناسبة للناقدين من الخارج أن يهتموا بشؤونهم الخاصة، فما يقولونه لن يتم الاستماع إليه، فالدول هي التي تضع نظمها على كل صعيد.

لكن يبدو بأنه منذ بداية القرن الواحد والعشرين الكثير من الأمور تغيرت، فمن جانب العديد من المشاكل السياسية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية زادت وانتشرت بشكل واسع. ولم يعد من الممكن تبرير المشاكل بأنها محلية وتخضع لسيادة الدول وشؤونها الداخلية، أو بأنها تحدث في السياق الطبيعي للأشياء. والحاصل أن جميع المجتمعات الحديثة أصبحت ممتلئة بالمتخصصين في شؤون المجتمعات الأخرى غير مجتمعاتهم ويجعلونها وظيفتهم لتعريف ونشر قضايا جانبية لم يكن متصوراً أن يتم الاهتمام بها سابقاً.

وعلى الجانب الآخر الدمج المستمر للمجتمع العالمي والنسيج المكثف للمنظمات العالمية والحركات الاجتماعية بات يتم تصويرها في صيغ كونية. هؤلاء المتخصصون صاروا ملزمين بالبحث عن المشاكل ونشرها بشكل ناقد على مستوى العالم. هي ضريبة العولمة ويجب على الجميع دفع فاتورتها.

*كاتب إماراتي