قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة لكوريا الشمالية الأربعاء الماضي، التقى خلالها الزعيمَ الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وهي أول زيارة له لهذا البلد منذ 24 عاماً. وليس هناك ما يبين أهمية هذه الزيارة أفضل من مقارنة نتائجها بنتائج أول لقاء بين الزعيمين في عام 2019، عقب فشل مباحثات كيم مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وفي ذلك اللقاء أعرب بوتين عن رغبته في تهدئة التوتر بين الكوريتين.

وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، إن الكرملين يعتقد أن المحادثات السداسية بشأن كوريا الشمالية (المتوقفة آنذاك) هي الطريقة الوحيدة الفعالة لمعالجة التسلح النووي في شبه الجزيرة الكورية. وكانت هذه اللجنة قد تشكلت وبدأت عملها في 2003 بمشاركة الكوريتين والصين وروسيا واليابان والولايات المتحدة.

وهو ما عكس في حينه نهجاً توافقياً للبحث في هذه المسألة الحساسة. ولنقارن هذا بنتائج الزيارة الأخيرة التي تمخضت عن تعاون استراتيجي شامل، بما في ذلك تقديم طرفي هذا التعاون للمساعدة أحدهما للآخر حال التعرض للعدوان، أي أننا نتحدث في الواقع عن اتفاقية دفاع مشترك. وقد شملت نتائجُ الزيارة مواقف مشتركة عديدة بين البلدين في قضايا كبرى، كما في الاتفاق على السعي لإقامة نظام عالمي أكثر عدلاً وتعدديةً، يستند للقانون الدولي والتنوع الثقافي والحضاري.

لكن البعد الأبرز بالتأكيد يبقى متعلقاً بوصول التعاون بين الدولتين إلى مستوى الدفاع المشترك. ولم يأت هذا التطور كنقلة مفاجئة من مستوى التعاون في لقاء 2019 إلى مستوى التعاون الاستراتيجي والدفاع المشترك، لكنه مر بمرحلة وسيطة تمثلت في زيارة الزعيم الكوري الشمالي لروسيا في سبتمبر الماضي التي اتفق فيها الطرفان على إتاحة روسيا المعرفة التكنولوجية لمساعدة برنامج الفضاء الكوري الشمالي.

وذكرت تقارير غربية آنذاك أن المقابل الكوري تمثل في تزويد روسيا بأسلحة وذخائر تحتاجها في حرب أوكرانيا، وهي تقارير وصفتها مصادرُ الكرملين بالسخيفة. ولا يمكن فصل هذا الحدث بطبيعة الحال عن التطورات التي شهدتها الساحة الدولية منذ بدأت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إذ من المعروف أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة قد ألقى بثقله لصالح أوكرانيا، مما ساعدها على الصمود، بل والحديث عن هزيمة روسيا، الأمر الذي دفع الدوائر الروسية العليا إلى التلويح بالورقة النووية.

ولما فشل الهجوم الأوكراني المضاد، وبدأت روسيا تحقق تقدماً على جبهة القتال، كان واضحاً أن الغرب لا يمكن أن يسمح بهزيمة أوكرانيا، ومن هنا جاء استمرار دعمها وتكثيفه، وتخفيف القيود على استخدامها الأسلحةَ الغربيةَ في ضرب العمق الروسي. وهو ما ردت عليه القيادة الروسية بالتلميح إلى أن بمقدورها أن تزود بالسلاح أطرافاً منخرطة في صراعات مع الغرب، وهو تهديد لا يمكن الاستخفاف به نظراً لمكانة روسيا في صناعة السلاح وتصديره.

غير أن الخطوة الأخيرة التي اتخذتها روسيا بشأن تطوير علاقتها مع كوريا الشمالية إلى مستوى الدفاع المشترك تفوق بكثير التهديد بتصدير أسلحة لخصوم الغرب، ذلك لأنها من المنظور الاستراتيجي تعني أن ثمة تحالفاً فعلياً ينشأ بين دول نووية ثلاث، هي روسيا والصين وكوريا الشمالية، في مواجهة الغرب، وهو ما يشير إلى استمرار التصعيد في منطقة تموج بعوامل للصراع يمكن أن تنفجر في أي لحظة.. فهل عدنا إلى أجواء الحرب الباردة وسياسات حافة الهاوية؟

*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة