ماذا سيحدث في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر المقبل؟ ليست لدي أي فكرة، وليست لدى أي شخص آخر أي فكرة عن ذلك. لكني أعتقد أنه سيكون من المفيد الإشارة إلى تطور ربما لا يحظى بما يكفي من الاهتمام: أن الأميركيين يبدو أنهم أخذوا يصبحون أكثر تفاؤلا بشأن الاقتصاد، وإن في هدوء. واللافت أننا أصبحنا نسلّم بأن أي قدر من الأخبار الجيدة لن يغيّر نظرة الأميركيين السلبية للاقتصاد، إذ تقول القصة إنهم صُدموا بالتضخم في 2021 و2022، وإنه سَتَمرُّ سنواتٌ قبل أن يُقرّوا بأن التضخم انخفض والوظائف متوافرة.. غير أن هناك على الأقل مؤشرات إلى أن وجهات النظر ربما قد بدأت تتغير، وربما بشكل أسرع مما يدركه كثير من المراقبين.

أحد هذه المؤشرات هو المسح الشهري لتوقعات المستهلكين الذي يصدر عن فرع «الاحتياطي الفيدرالي» في نيويورك. هذا المسح عادة ما أتابعُه من أجل تتبع التضخم المتوقع، والذي ما زال منخفضاً إلى حد ما، لكن المسح يسأل المستهلكين أيضاً عما إن كانوا يتوقعون أن وضعهم المالي سيكون أفضل بعد عام من الآن أو أسوأ.

واللافت أن هناك تحسّناً كبيراً ليس فقط منذ أسوأ فترات ارتفاع التضخم، ولكن حتى منذ أواخر العام الماضي. بل يمكن القول إننا عدنا تقريباً إلى التفاؤل الذي كان سائداً خلال الأشهر الأولى من حكم الرئيس جو بايدن، قبل ارتفاع التضخم. أما المؤشر الآخر، فهو استطلاع للرأي أجرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» وكليّة روس لإدارة الأعمال بجامعة ميشيغن، ويسأل الناخبين عما إن كانوا يعتقدون أن جو بايدن أم دونالد ترامب سيَبلي بلاءً أحسن في إدارة الاقتصاد. والجدير بالذكر هنا أنه في وقت سابق من هذا العام كان ترامب متقدماً بفارق رقمين، أما الآن فقد انخفض الفارق إلى 4 نقاط. والواقع أنه ما زال من المستبعد أن يعمل الاقتصاد لصالح بايدن بشكل عام، لكنه قد لا يشكّل عبئاً كبيراً عليه كما يتوقع الكثيرون (لا سيما بالنظر إلى انخفاض أسعار الوقود).

وهو ما يعني بدوره أن الانتخابات قد تتأثر بقضايا أخرى، مثل التهديد «الجمهوري» لتحديد النسل. وبالنسبة للمهتمين بالتضخم، فقد حمل يوم الأربعاء ضربتين متتاليتين: تقرير جديد حول التضخم في الصباح، ثم إعلان «الاحتياطي الفيدرالي» عن سعر الفائدة بعد الظهر. وهناك تنافر غريب بين هاتين النقطتين من البيانات. فأولا، كان تقرير التضخم مشجِّعاً للغاية، بل ربما كان جيداً جداً لدرجة يصعب تصديقها: فالأرقام الشهرية «صاخبة»، بمعنى أن البيانات الاقتصادية التي يتم الإبلاغ عنها على أساس شهري تميل إلى أن تكون متقلبةً بشكل كبير وغير متوقع.

غير أنه إذا كان هذا التقرير جيداً جداً لدرجة يصعب تصديقها، فإنه ساعد على إثبات أن الأرقام غير المشجعة التي ظهرت في وقت مبكر من هذا العام كانت سيئة جداً لدرجة يصعب تصديقها. والحال أن القصة الحقيقية، في تقديري، هي أن التضخم بات مشكلة الأمس. ذلك أنه أضحى تحت السيطرة منذ شهور. غير أن هذه الحقيقة كان من الصعب رؤيتها بسبب تقلبات البيانات وعدم القدرة على التنبؤ بها.ولنتأمل، على سبيل المثال، التضخم الأساسي - أي الأسعار باستثناء أسعار المواد الغذائية وأسعار الطاقة المتقلبة - باستثناء تضخم السكن، والذي نعلم أنه ما زال مدفوعاً بالزيادات السريعة في الإيجارات التي انتهت قبل عام أو أكثر.

لكن لا أحد يعتقد أن الأسعار انخفضت بالفعل الشهر الماضي، وإن كان الرقم السلبي لهذا المقياس يُبرز مدى عدم انتظام البيانات الشهرية. والواقع أنه كان يجب ألا نُعِير تلك الأرقام الكبيرة اهتماماً كبيراً في الأشهر الأولى من هذا العام، والتي ربما لم تكن تعكس سوى إعادة ضبط الأسعار في بداية العام وليس تضخماً حقيقياً.

وفي الأثناء، ظل المعدل السنوي للتضخم في حدود 2٪، أي هدف «الاحتياطي الفيدرالي»، منذ الخريف الماضي، وبذلك يمكن القول عموماً إننا كنا في المكان حيث نريد أن نكون منذ حوالي 8 أشهر. بيد أن «الاحتياطي الفيدرالي»، الذي ما زال متأثراً بفشله السابق في توقع ارتفاع التضخم في 2021 و2022، ليس مستعداً لقول ذلك بعد. فتوقعاته الاقتصادية، التي أجريت قبل أرقام صباح الأربعاء في الغالب، لا تُظهر سوى تقدم تدريجي في مواجهة التضخم. وبالطبع، لم يخفّض «الاحتياطي الفدرالي» أسعارَ الفائدة (ولا أحد كان يتوقع منه أن يفعل ذلك)، وبيانه حول هذا القرار لم يختلف كثيراً عن بيانه السابق. غير أننا لسنا مضطرين – نحن بقية الأميركيين –لأن نكون بهذا القدر من الحذر. ذلك أن التضخم هُزم عموماً، وأسعار الفائدة ستنخفض، ليس اليوم، وربما ليس في الاجتماع المقبل، لكن قريباً ولبقية هذا العام ومعظم العام المقبل.

*كاتب وأكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»