شكلت انتخابات الاتحاد الأوروبي التي جرت نهاية الأسبوع الماضي نهاية البرلمان الأكثر دفاعاً عن سياسات المناخ في الكتلة على الإطلاق بعد أن أعطت المخاوف بشأن كل شيء من سياسات المناخ إلى الهجرة دفعة للشعبويين.
وخرج حزب «الخضر»، الذي ساعد صعوده قبل خمس سنوات، الكتلة المكونة من 27 دولة على تبني استراتيجية المناخ الأكثر طموحاً في العالم، في حالة يرثى لها من الاقتراع الذي انتهى يوم الأحد الماضي. كما تعرض الليبراليون المؤيدون للمناخ لضربة قوية من الناخبين، بينما عززت الأحزاب القومية اليمينية المتطرفة موقفها في بلدان من ألمانيا إلى إيطاليا.
بيد أن النتائج لن تطيح بالصفقة الخضراء؛ فقد احتفظت الأحزاب الرئيسية التي دعمت الخطة الشاملة لإزالة الكربون من اقتصاد الكتلة بالأغلبية، ولكنها تخاطر بإضعاف عزيمة الحكومات عند تحويل هذه السياسة إلى واقع من خلال التدابير التي من شأنها أن تؤثر على الأسر من لشبونة إلى هلسنكي. ومن المحتمل أيضاً أن تكون هناك بعض المشاحنات بين المشرعين الجدد حول التدابير المستقبلية لتحقيق هدف صافي انبعاثات صفرية.
قال «ماكسيمو ميتسينيلي»، رئيس قسم الطاقة والمناخ في شركة «فليشمانهيلارد إي يو» FleishmanHillard EU الاستشارية: «ستبقى الصفقة الخضراء حية، لكنها لن تبدأ بالضرورة. يجب أن يكون الاتحاد الأوروبي قادراً على الدفاع عن الإجراءات التي تم اعتمادها بالفعل لهذا العقد، لكن المقترحات الخاصة بهدف جديد لعام 2040 ستكون بمثابة اختبار كبير للبرلمان الجديد».
وقد تعرضت الحكومات في جميع أنحاء القارة وقيادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل بالفعل لضغوط لتخفيف طموحها، حيث أثار الاستياء من السياسات الخضراء احتجاجات وزاد من المخاوف بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة والهجرة.
إن الخطوات الأكثر صعوبة لتحقيق هدف المناخ الطموح للاتحاد الأوروبي لعام 2030، والمتمثل في خفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي بنسبة 55% عن مستويات عام 1990 لم يتم تنفيذها بعد. وفي عام 2027، من المقرر أن يطلق الاتحاد الأوروبي سوقاً جديدة للكربون لوقود التدفئة والنقل، وهي خطوة ستؤثر على المستهلكين. وبحلول عام 2035، يجب أن تكون جميع سيارات الركاب الجديدة خالية من الانبعاثات، أي على بعد خطوة واحدة من إرسال محرك الاحتراق إلى المتحف.
وقال «لورانس توبيانا»، الرئيس التنفيذي لمؤسسة المناخ الأوروبية: «للأسف، حققت الأحزاب الشعبوية مكاسب كبيرة للغاية»، و«فقط وضع سياسات أكثر عدالة والاستماع بشكل أفضل للمواطنين هو الحل للاستقطاب». وأضاف: «إنني أرفض الاستسلام للقدرية. ولا يمكن أن يكون هناك حل لأزمة تكلفة المعيشة أو الأمن أو القدرة التنافسية دون التحول البيئي».
سيكون التحدي الأكبر الذي يواجه الاتحاد الأوروبي هو ضمان تمويل التحول الأخضر، حيث لا يزال النمو الاقتصادي بطيئاً والتضخم ثابتاً. ولا يزال الناخبون يعانون من ارتفاع الأسعار في أعقاب أزمة طاقة غير مسبوقة. وكان صناع السياسات في الاتحاد الأوروبي، حتى قبل الانتخابات، يركزون على كيفية منع السياسات الخضراء من إلحاق الضرر باقتصاداتهم وتقليص التصنيع. وتخشى الشركات الخاضعة لحدود التلوث الأكثر صرامة من خسارة قدرتها التنافسية في مواجهة حوافز التكنولوجيا النظيفة الضخمة التي تقدمها الولايات المتحدة والصين.
لابد أن تتسارع وتيرة خفض الانبعاثات بشكل أكبر في العقد المقبل، حتى تتمكن أوروبا من تحقيق هدف منتصف القرن المتمثل في الحياد المناخي. ولإبقاء الكتلة على المسار الصحيح، طرحت المفوضية الأوروبية في وقت سابق من هذا العام هدفاً جديداً لعام 2040، يتمثل في خفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 90%. ولم تبدأ بعد مناقشة سياسية حول هذا الهدف، ومن المتوقع تقديم اقتراح رسمي في العام المقبل.
ووفقاً لتقديرات الاتحاد الأوروبي، تحتاج القارة إلى استثمار حوالي 1.5 تريليون يورو سنوياً على مدى الفترة 2031-2050 في أنظمة الطاقة والنقل لديها للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية، على أن يأتي الجزء الأكبر من التمويل الخاص. ويمثل هذا ارتفاعا عن مبلغ 863 مليار يورو الذي أنفقته على إزالة الكربون من القطاعات كل عام خلال الفترة بين عامي 2011 و2020.
لكن المصدر العام الأكبر الحالي لتمويل التحول الأخضر - وهو برنامج التعافي بعد الوباء بقيمة 750 مليار يورو - يقترب من نهايته، وتنقسم الدول حول أدوات التمويل الجديدة المحتملة، بما في ذلك إصدار الديون المشتركة. ويكمن الخطر في أن الانقسامات المتزايدة في البرلمان الجديد ستجعل من الصعب على الاتحاد الأوروبي تحديد طريق للمضي قدما في السياسات، بما في ذلك الموازنات والمناخ.
قد يعني ذلك أن بناء الأغلبية لإضعاف أو تعزيز الصفقة الخضراء سيكون أمراً صعباً بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي لديه الطموح لقيادة العمل العالمي بشأن المناخ، وفقا لـ «بيتر فيس»، مستشار بارز لدى شركة «رود بيدرسن» للشؤون العامة في بروكسل ومسؤول كبير سابق في مجال المناخ في المفوضية الأوروبية.
وقال: «في عالم يعاني من أزمة، قد يعني هذا أن أوروبا لا تستطيع إسماع صوتها - بسبب عدم وجود رسائل واضحة».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»