باتت مسألة «اليوم التالي» للحرب في قطاع غزة نقطة خلاف رئيسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وكذلك نقطة خلاف في صفوف القيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية. فالصراع يتمحور حول الرؤى المطروحة بخصوص مستقبل القطاع بعد انتهاء الحرب وإنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي والاستعاضة عنه بالحكم المدني الفلسطيني للقطاع، وصولاً إلى «حل الدولتين» الذي يعدُّ النقطةَ المحورية في إيجاد حل دائم للقضية الفلسطينية، رغم الحاجة الآنية لحلول مؤقتة لكارثة الحرب الإسرائيلية على غزة والمآسي الإنسانية التي ترتبت عليها من قتل وتهجير وتجويع للمدنيين.

وإضافة إلى هذا، فثمة تحولات في الرأي العام الأميركي والعالمي تجاه رفض الاحتلال الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري، أظهرت تعاطفاً شعبياً عالمياً واسعَ النطاق مع القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وكل هذا وغيره يدفع الولايات المتحدة ودول المنطقة للبحث عن حلول ومقترحات، سعياً لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. واستعداداً لصيف ساخن بالحملات الانتخابية، يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حسمت أمرَها بحتمية إنهاء الحرب الإسرائيلية في غزة للحد من تدهور الأوضاع المتسارع في الشرق الأوسط، وللسيطرة على التوترات المتصاعدة بين دول الجوار من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى، فقررت التدخل بقوة للدفع بتسوية للحرب، حيث يبدأ وزير الخارجية أنتوني بلينكن اليوم جولةً سياسية في المنطقة، تشمل كلاّ من مصر وإسرائيل والأردن وقطر، للترويج لمبادرة بايدن، وهي مقترح إسرائيلي يدعو إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة على ثلاث مراحل والحصول على دعم شركاء من الدول العربية والإقليمية، إضافةً للحصول على الدعم الأوروبي لتحجيم ضغوط الأطراف غير الراغبة في التسوية السلمية للقضية الفلسطينية.وتدرك إدارة بايدن حقيقة أن بقاء بنيامين نتنياهو في منصبه كرئيس للحكومة الإسرائيلية يعتمد على مسار الحرب في غزة، وكذلك هو الحال جزئياً مع استمرار الرئيس بايدن لفترة رئاسية ثانية، نظراً لانعكاسات الوضع في غزة وعموم الشرق الأوسط على الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة.

لهذا فإدارة بايدن تضع في حساباتها السياسية والانتخابية التداعيات السلبية لاستمرار الحرب في غزة والصورة البشعة للاحتلال الإسرائيلي وما لها من تأثير على أصوات الناخبين الأميركيين. إنه متخوف من تمزق قاعدته الانتخابية جراء حرب غزة، ومن ابتعاد مؤيدي الحزب الديمقراطي التقليديين عن التصويت لصالحه في نوفمبر 2024. وتستند المقاربة الأميركية للحل في قطاع غزة إلى إخراج «حماس» من معادلة إدارة شؤون القطاع والاعتماد على السلطة الوطنية الفلسطينية في حكمه، مع توفير الدعم الإقليمي والدولي للسلطة الفلسطينية حتى تمارس مسؤولياتها.

إلا أن هذه المقاربة غير واقعية نظراً لعجز السلطة الفلسطينية عن حكم وإدارة غزة، بسبب ضعفها الهيكلي، وغياب التوافق الوطني الفلسطيني، إضافةً لتغلغل «حماس» داخل غزة على مدى سنوات الحصار، كما أن احتمال تحول «حماس» والفصائل المتحالفة معها إلى حركة معارضة لهذه الخطة وارد. اليوم، تحاول الولايات المتحدة توظيف أدواتها العسكرية والدبلوماسية للحد من تداعيات أزمة الحرب في غزة، وستعمل من خلال جولة وزير الخارجية بلينكن للمنطقة، الترويج لمبادرة بايدن لإنهاء الحرب وصنع السلام بدلاً من قرار مواصلة الحرب أو توسيع جبهاتها. إلا أن الضغوط الدبلوماسية الأميركية على الحكومة الإسرائيلية لا تضمن نجاح مبادرة بايدن، إذ قد تَضيع المبادرةُ في التفاصيل وتتحول إلى تهدئة ناقصه دون نجاح يذكر، أي من غير انتقال فعلي نحو خطة «اليوم التالي».

*كاتبة إماراتية