عندما اشتعلت حرب الخليج الثانية من أجل تحرير الكويت كانت قناة CNN أشبه بما يمكن تسميته «المدفعية الإعلامية» المنتصرة آنذاك، ولم يبق مهتماً بتفاصيل الأحداث، إلا وجدته متسمراً أمامها على مدار الساعة.
الإعلام أشبه بمدفعية ناعمة تقف وراءها مدفعية صلبة في الميدان، وأي فصل بينهما يعني الهزيمة النفسية قبل العسكرية لأحد طرفي الحرب أو أكثر.
وحديثي هنا بعيد عن الإعلام الحربي المختص بنقل العمليات الميدانية، لذا ذكرت الـ( CNN ) في البداية، وربما بعض الإذاعات العربية خلال ستينيات القرن الماضي. 
ويقاس على ذلك الآلة الإعلامية التي صنعها «جوبلز» وزير الإعلام في ألمانيا النازية بعهد هتلر، الذي طبق نظرية «إكذب إكذب حتى يصدقك الناس»، فأحرقت هذه الكذبة «السوداء» أوروبا وحولتها إلى قطعة فحم لم تنفع حتى للشواء. وعندما وقع فأس«الربيع العربي» في الرأس تحولت بعض القنوات الحكومية في العالم العربي إلى نسخ مكررة، تخلت عن جناحها، فالتصقت بالأرض، ولم تحلق في الأجواء حتى اللحظة.
فالإعلام العربي الراهن، وهو الذي يواجه تحديات جمة من الخصوم والأعداء، ينقصه الإحترافية والمصداقية رغم الكم الهائل من سيل الأخبار، التي يتم نشرها على مدار الساعة وعيبها أنها تخاطب وتدور في فلك (الأنا) ، وليس لها علاقة بـ(الآخر)، الذي يمثل كل الشعوب الأخرى من غير العرب.
سمعت بعض الإعلاميين يشجع على نشر الأكاذيب ضد الخصوم وبالأخص المتربصين بنا الدوائر السيئة، على أساس أن الحرب الإعلامية خُدعة. هذا يمكن أن ينجح في حالة واحدة فحسب، إذا لم يكتشف العدو حقيقة هذه الكذبة بنشر الحقائق بالأدلة الدامغة. يتصدر بعض منصات الإعلام العربي عناصر تمارس الكذب من أجل ما تزعم أنه «مصلحة وطنية». والمشكلة أن تلك العناصر ليست من محترفي ممارسة دور «الكذاب الأشر».
في أميركا هناك كذبة روجت لها وسائل إعلام ذات مصداقية عالية ألا وهي قضية امتلاك صدام أسلحة نووية، بهذه الذريعة دُمِّر العراق، لكن بعد سنوات طويلة اكتشفت أو نشرت عن حقيقة هذه الكذبة، ولكن هذا الكشف غير المبكر لم يُعِد العراق إلى سابق عهده، وقد انطلت على العالم كله.
بعض الرسائل الإعلامية لا تنتظر وقتاً طويلاً ليعرف الجميع كذبها، فبمجرد بثها تظهر زيفها لضعفها وعدم مصداقيتها وإنْ كانت معيبة.
إن قلنا جدلاً بأن هذا الذي يتكسب من وراء الكذب ولا يؤدي الدور المطلوب منه بحرفية، فإنه يستمر في الإساءة لمهنيته.
والخوف أن يصدق هؤلاء بأنهم صادقون في ما ينشرون من أخبار ملفقة لضرورة «خُدعة الحرب»، وقد عمِّيت عليهم الأنباء من حيث لا يشعرون.
إذا استمر الإعلام العربي في استنساخ التجارب الفاشلة في الحرب النفسية، التي يجيز فيها بعضهم استخدام أدوات الكذب الصراخ، لخداع العدو، فإن تأثيره في أيام الرخاء أشد خطراً على مشاريع التنمية، التي قد تنسل إليها الوسائل ذاتها، التي تتخذ من الكذب لنشر إنجازاتها.
ولا ننسى بأن إعلام الفضاء الافتراضي، الذي لا يحتاج إلى أذونات رسمية دخل منافساً شرساً أمام وسائل الإعلام التقليدية، حيث بدأ يسحب البساط من تحت أرجلها، بل أصبح الفرد الواحد ينافس منصات إعلامية بكامل طاقتها الفنية.
الإعلام المهني هو الذي يمتلك أدواته المناسبة، ومن الضرورة بمكان أن تكون الاحترافية والمصداقية هما الأهم.
فالوعي بالمرحلة ضرورة، ومن الضروري إدراك أن استخدام الإعلام ووسائله على عواهنه لا يخدم مصلحة أي وطن.
*كاتب إماراتي