كان أداء الاقتصاد الأميركي، خلال العامين الماضيين، استثنائياً، وخاصة بالنظر إلى التوقعات المتشائمة للعديد من المراقبين. فهل تتذكرون الاقتصاديين الذين توقعوا حدوث ركود في عام 2023؟ وهل تتذكرون كل تلك التحذيرات من أن خفض التضخم سيتطلب سنوات من البطالة المرتفعة؟ 
بدلاً من ذلك، كان نمونا الاقتصادي جيداً ومن النوع الذي تغبطنا عليه الدول الغنية الأخرى. فمنذ وصول الرئيس جو بايدن إلى الرئاسة، ارتفعت الأسهم بشكل كبير، وانخفض التضخم بشكل حاد، وما زالت البطالة دون حاجز الـ 4 بالمئة. ويبدو أن الأرقام الأخيرة تؤيد وجهة النظر القائلة بأن الارتفاع المتسارع في الأسعار في وقت سابق من هذا العام كان مجرد ومضة إحصائية عابرة وأن تباطؤ التضخم ما زال في طريقه الصحيح. 
غير أنه ما زال هناك اعتقاد سائد يرى أنه ينبغي لبايدن ألا يتباهى بسجله الاقتصادي، فقد كتبت هيئة تحرير صحيفة «واشنطن بوست» مؤخراً أن «إخبار الأميركيين بأن الاقتصاد جيد لن يكون مفيداً». وكتبت هيئة تحرير صحيفة «فايننشال تايمز» أن «خطاب الرئيس عن حالة الأمة في مارس الماضي كان مليئاً بعبارات الإطراء والإشادة بحالة الاقتصاد»، وأن رسائله «تجازف بإنكار ونفي تجربة الناخبين على أرض الواقع».. بعبارة أخرى، تقول الصحيفة إنه ينبغي لبايدن ألا يتحدث عن إنجازاته الاقتصادية، ملمِّحةً إلى أنه ينبغي له أن يحاول التفاعل مع الناخبين عبر الاعتراف بأن الصورة الاقتصادية سيئة، والحال أنها ليست كذلك.
لستُ خبيراً استراتيجياً سياسياً ولا مؤرخاً سياسياً، لكني أعتقد أنني أعرف ما يكفي لأقول إن إعادةً لخطاب جيمي كارتر، ذلك الخطاب سيئ الذكر، حول الركود في القرن الحادي والعشرين، سيمثّل خطوة خطِرةً للغاية.
غير أن القول بأنه على الناخبين أن يتشجعوا ويدركوا مدى روعة ما لديهم، سيمثّل هو كذلك خطوة سيئةً وخطرةً. لكن، هل قال أي شخص في إدارة بايدن أي شيء من هذا القبيل؟ الواقع أنه سيكون من الغباء أن يفعلوا، لكني لستُ على علم بأي أمثلة على ذلك. وعلى حد علمي، فإن مسؤولي الإدارة، بمن فيهم بايدن نفسه، يتحدثون فقط عن انخفاض معدلات البطالة، وانخفاض التضخم، وارتفاع الأجور الحقيقية.. ويفعلون ذلك بحذر مع حرص شديد على تجنب التباهي والتفاخر المفرط الذي كان مألوفاً جداً من الإدارة السابقة، غير أنه حتى ذكر الأخبار الاقتصادية الجيدة يُفترض أنه إهانة للأميركيين العاديين لأنه يرقى إلى إنكارٍ ونفيٍ لتجربتهم المعيشة. وهو ما يقودني إلى نقطة كتبتُ حولها مطولاً في الآونة الأخيرة وتستحق التكرار: أن هناك أدلة قوية على أن وجهات نظر معظم الأميركيين السلبية بشأن الاقتصاد لا تعكس تجربتَهم المعيشة.
وفي ما يلي مثال جديد نسبياً على ذلك: إنها الوجبات السريعة.. فمؤخراً أصدرت مؤسسة «لاندينغ تري» نتائجَ استطلاع للرأي قال فيه قرابة 80% من الأميركيين المستطلعة آراؤهم إن التضخمَ حوَّل الوجبات السريعة إلى تَرفٍ صاروا مضطرين للتقليل منه. والواقع أن أسعار الوجبات السريعة ارتفعت قليلاً في السنوات الأخيرة، ولم ترتفع إلى الحد الذي تتحدث عنه الأسطورة. لكن ماذا عن تلك العناوين التي تراها، والتي تقول إن أسعار «ماكدونالدز» تضاعفت؟ إنها تشير عادة إلى أسعار ما قبل عقد من الزمن، وهي مع ذلك خاطئة. بعد أيام قليلة على صدور نتائج ذلك الاستطلاع، أصدرت إدارة «ماكدونالدز» رسالةً مفتوحةً تردّ فيها على الادعاءات المُبالَغ فيها بشأن أسعار السلسلة. إذ قالت إنه منذ عام 2019 لم يتضاعف سعر شطيرة الـ «بيج ماك»، لكنه ارتفع بنسبة 21%. وهذا يظل ارتفاعاً مهماً، لكنه أقل من الارتفاع في دخل العامل المتوسط خلال الفترة نفسها. 
والأكيد ألا أحد يقول إن على مسؤولي إدارة بايدن أن يطلبوا من الأميركيين الجلوسَ وتناول «وجباتهم السعيدة» والكف عن الشكوى. وانطلاقاً من محادثاتي الخاصة، أستطيعُ أن أقول لكم إن هؤلاء المسؤولين يدركون جيداً أن لديهم قدرةً محدودةً على تغيير سرد اقتصادي سلبي أصبح منتشراً على نطاق واسع، حتى وإن لم يكن دقيقاً. غير أن مطالبة بايدن بالتزام الصمت بشأن الأخبار الاقتصادية الجيدة، لا سيما حينما تكون هناك الكثير من الأخبار الاقتصادية الجيدة التي يمكن الحديث عنها، تبدو وكأنها تقول إنه يجب عليه في الواقع تأكيد معلومات مغلوطة. لكن، لماذا قد يعتبر أي شخص هذا الأمرَ فكرةً جيدةً؟
حسناً، إليكم رأيي الشخصي: كما أسلفتُ، فإني لستُ مستشاراً في السياسة، لكن الأشخاص الذين يطلبون من بايدن التقليل من حقيقة أن إنفاقه الكبير نجح في تحقيق نتائج جيدة للاقتصاد يكشفون إلى حد ما عن تحيزاتهم الأيديولوجية بدلاً مِن أن يُسْدُوا نصيحةً سياسية مفيدة.
والحقيقة أن الوضع اليوم لا يختلف عما رأيناه في أوائل العقد الأول من هذا القرن، حينما انتقلت السياسةُ في وقت مبكر جداً من مكافحة البطالة إلى هوس بالعجز، مما جعل من الصعب التدليل على أن العمل الحكومي أحياناً يُؤتي أُكلَه حقاً. ومثلما أصبح الركود الكبير حجةً بالنسبة لصقور العجز، فقد أصبح ارتفاع التضخم لفترة وجيزة في 2021 و2022 أيامَ مجدٍ بالنسبة لصقور التضخم.
لكن تبين أنهم كانوا على خطأ: ذلك أن تباطؤَ التضخم غير المؤلم تقريباً في عام 2023 أكد إلى حد كبير صحة ما ذهب إليه خبراء بايدن الاقتصاديون ممن حاججوا في وقت مبكر بأن التضخم خلال فترة ما بعد كوفيد لم يكن تكراراً لتضخم السبعينيات، وأنه كان يشبه إلى حد كبير التضخم الذي حدث بعد الحرب العالمية الثانية، أي أنه انفجار مؤقت انتهى مع عودة سلاسل التوريد إلى طبيعتها. صحيح أن الجزء «العابر» استغرق، في نهاية المطاف، وقتاً أطولَ بعض الشيء مما كان متوقعاً، لكنهم عموماً كانوا على حق.
وعليه، كيف يجدر ببايدن وجماعته أن يتحدثوا عن الاقتصاد الآن؟ أقترحُ أن يقولوا الحقيقةَ كما يرونها. وهو، في نظري، ما كانوا يفعلونه طوال هذه الفترة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»