حين كنت مستشاراً للرئيس المصري السابق عدلي منصور قلتُ: إنّ أطروحة تمكين الشباب يجب أن تكون محدّدة، إذْ لا يجب أن تشمل الشباب لمجرد كوْنهم شباباً، فصِغَر السنّ في ذاته لا يعني الكثير، بل يجب تمكين الشباب الفائق النجاح، كأنْ يكون قد تخرج في جامعة مرموقة، أو نشر في دورية عالمية، أو حاز جائزة دولية، أو احتلّ موقعاً مهماً في شركة كبرى، أو أسّس شركة واعدة، أو أنه يمتلك مهارات الكتابة أو الخطابة على نحو كبير، أو أنْ يكون منتخباً في إطار سياسي أو نقابي ويحظى بوجود اجتماعي فعّال، أو غير ذلك من أوجه التفوق والامتياز.
وقد اختصرتُ ذلك كله في جملة أعدتْ الحديث عنها خلال «منتدى الإعلام العربي في دبي 2024 «تمكين الشباب المتمكّن». وقلتُ في دبي: إن منح الشباب المناصب العليا لمجرد كونهم شباباً ليس أمراً صائباً، بل يجب تقديم وتصعيد الشباب المبهر، الذي يحظى بذلك الدعم لكوْنه متميزاً بالأساس لا لكونه شاباً فحسب.
كانت الجلسة التي شاركتُ فيها في منتدى الإعلام العربي في دبي تتعلق بالشباب والسياسة. وقد تحدث فيها معالي الدكتور على النعيمي، رئيس لجنة شؤون الدفاع والداخلية والخارجية في المجلس الوطني الاتحادي، وأدارها الإعلامي الأستاذ حسين الشيخ.
إن الشباب في عالم اليوم لم يعد كتلةً جيلية واحدة، بل صار كتلاً متتالية، وهي كتل متداخلة ومتباينة في آن. هناك شباب ما قبل جيل الألفية، وجيل الألفية، وهناك جيل زِد، وبعدهم القادمون قريباً إلى الشباب من جيل «ألفا».
يعيش مئات الملايين من هؤلاء من دون إنترنت، بينما لا يعرف مئات الملايين منهم العالم من دون الإنترنت. وبينما يتطلع عدد كبير منهم إلى نسخ جديدة من الذكاء الاصطناعي، وإلى صناعة مستقبل رقمي واعد، فإن أعداداً أخرى تئن من سوء التغذية، وتتخبط في الجوع، وينهشها الجفاف والإرهاب والحرب.
إن واحداً من كبار الشباب وهو «إيلون ماسك» قد يصبح أول تريليونير في العالم، ويمتلك شباب آخرون في وادي السيليكون الأميركي والشركات الناشئة حول العالم أموالاً طائلة لم يمتلكها ألف جيل من عائلاتهم. وفي الجانب الآخر يعيش مئات الملايين من الشباب تحت خط الفقر، وبينما يذهب المحظوظون منهم إلى أعمال طفيلية تدرّ بعض الدخل، فإن آخرين منهم لا يزال يبحث عن عمل طفيلي دون جدوى!
يعاني «الشباب الأول» تخمة الحياة، وبرودة الرقمنة ورتابة الشاشات الذكية، بينما يعاني «الشباب الثاني» الجوع والخوف. وبين المليارديرات الشباب والمعدمين الشباب تعاني الطبقة الوسطى الرقمية من حجم معلومات مروع، ووفرة أخبار، وتدفق آراء ووجهات نظر يستحيل معها المتابعة، ويصعب تحت وطأة ملاحقتها.. التمييز وحسن الاختيار.
إن واحدة من أزمات عالم اليوم.. تتمثل في إعلام الوفرة واقتصاد الندرة.. في زحام المعلومات وضعف الأفكار.. في تكدس الآراء وانحسار المعرفة.. في الكثير من الكلام والقليل من الطعام.
*كاتب مصري