طرح الرئيس الأميركي جو بايدن في آخر أيام الشهر الماضي خطةً تنتهي بوقف إطلاق للنار في غزة والإفراج عن الأسرى والرهائن الإسرائيليين وأعداد من نظرائهم الفلسطينيين. ولأن المحللين لا يملكون نصوصاً رسمية موثوقة لعروض سابقة للوساطة كان آخرها العرض الذي قبلته الفصائل الفلسطينية ورفضته إسرائيل، فمن الصعوبة بمكان تحديد الثابت والمتغير في طرح بايدن الأخير، وإن كانت الخطوط العامة التي أفصح عنها تشير إلى تشابه كبير بين العرض الأخير الذي رفضته إسرائيل والطرح الذي تقدم به بايدن الجمعة الماضي، ويُفترض أن تكون الإدارة الأميركية قد أدخلت عليه من التعديلات ما يستجيب للتحفظات الإسرائيلية، دون أن يقوِّض المقومات التي بنت عليها الفصائل الفلسطينيةُ موافقتَها السابقة. وهذا هو فن الوساطة وتلك جوانب من صعوبتها. ومما زاد الأمر إرباكاً أن بايدن قدَّم طرحَه وكأنه المقترح الذي تقدّمت به إسرائيل بعد أن أدخلت التعديلات التي تراها على الورقة التي قبلتها المقاومة الفلسطينية. ومع ذلك كان لافتاً أن بايدن طلب من القيادة الإسرائيلية الموافقة على مقترحه على نحو يبدو متعارضاً مع قوله بأن إسرائيل قدمت مقترحاً. ورغم كل ذلك فإن أهم ما في مقترح بايدن هو أن الإدارة الأميركية لم تكتفِ بمتابعة خطوات الوساطة، ولكنها تصدت بنفسها لتقديم المقترح أياً كان أصله ومضمونه، وهو ما يكسبه دون شك وزناً أكبر، سواء أكان هذا الوزن مستمداً مِن وزن الولايات المتحدة نفسها، أم من دعمها الكامل لإسرائيل، وهو ما ينفي عن المقترح أيَّ شبهة تحيز ضدها.
غير أن أهمية المقترح لم تنبع فقط من تبني الإدارة الأميركية له، وإنما أيضاً من صدور بيان مشترك عن الوسطاء الثلاثة (الولايات المتحدة ومصر وقطر) يدْعون فيه طرفَا الصراع للتوصل إلى اتفاق بناءً على الخطة الأميركية باعتبار أن اتفاقاً كهذا يمثّل الحل الأمثل الذي يستجيب لمطالب الطرفين. ويعني هذا أن إسرائيل لم يعد بمقدورها أن تستخدم ورقةَ الاختلاف المحتمل بين الوسطاء الذين أصبحوا الآن موحدين في إطار المقترح الأميركي، وأن الكرة أصبحت الآن في ملعب طرفي الصراع مباشرةً. وقد أحسنت مصادر الفصائل صنعاً بالإعلان أنها تنظر بإيجابية إلى مقترح بايدن، وإن طلبت بعض التوضيحات. أما إسرائيل فقد كان واضحاً حتى كتابة هذه السطور أن حكومتَها ما زالت أسيرة الفكرة التي يرددها رئيس الوزراء نتنياهو منذ 8 أشهر، وهي أن الحرب لن تتوقف حتى تحرير الأسرى والرهائن والقضاء على الفصائل كلياً، وهي أهداف مِن حق إسرائيل أن تتبناها، لكن المعضلة أنها لم تتمكن من تحقيقها طيلة 8 أشهر الماضية التي استغرقتها الحربُ حتى الآن.
والمشكلة، كما هو معروف، أن كلا من بن جفير وسموتريتش، الوزيرين الأكثر تشدداً في الحكومة الإسرائيلية، يهددان بإسقاطها إن قبل نتنياهو باتفاق لوقف إطلاق النار قبل اجتثاث الفصائل، رغم أن هذه المشكلة أصبحت أقل خطورةً مع إعلان زعيم المعارضة لابيد أنه سيقدم «شبكة أمان» لحكومة نتنياهو حال انسحب الوزيران منها، وهو ما يضع المسؤوليةَ الأولى في استمرار الموقف الراهن على عاتق نتنياهو أساساً.
ومن الواضح بعد هذه التطورات الأخيرة أن إسرائيل في طريقها لمواجهة ضغوط حقيقية، داخلية وخارجية، إن لم تبدِ المرونةَ المطلوبةَ تجاه مقترح بايدن، خاصة فيما لو استمر التعامل الإيجابي معه من قِبل الفصائل الفلسطينية.