زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى الصين، تمثل فرصة مستقبلية ورؤية بعيدة المدى لسبر أغوار الإمكانات المتاحة للتحرك باتجاه الشرق، من دون إغفال ما تم إنجازه من قبلْ مع الغرب. وإدراكاً من سموه، بأن العالم ليس حكراً على الغرب المتقدم فحسب، بل هناك مصالح تقتضي التطلع في جميع الاتجاهات، فقد رأى أيضاً أن الصين من الدول التي لها أدوار مستقبلية سوف تؤثر على تغير الأقطاب التي تتحكم في القرارات الدولية.
ويبحث صاحب السمو مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، العلاقات الثنائية ومسارات التعاون والعمل المشترك في المجالات الاقتصادية والتنموية والثقافية وغيرها، بالإضافة إلى القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المتبادل، وأهمية التعاون بين البلدين ضمن أطر العمل الدولية المشتركة.
وسيشهد سموه الاحتفال بمناسبة مرور 40 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وسيشهد خلال الزيارة افتتاح الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني.
ولا شك في أن مرور أربعين عاماً على العلاقات الإماراتية الصينية له دلالة مميزة، تتعلق بالنضج عبر تراكم الخبرات، وبالتعامل بين جيل كامل بكل رقي واقتدار، منذ عهد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وصولاً إلى عهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والذي حرص على تعميق جذور هذه العلاقة.
لا بد من الوقوف على الأربعين عاماً التي مضت لأهميتها لكلتا الدولتين، إذ هناك نقاط التقاء واتفاق بين الإمارات والصين، جرت مياهها الرقراقة في ذات الفترة الزمنية.
أولى النقاط الجوهرية هي في اتخاذ مبادرة الانفتاح على العالم بكل مكوناته الفكرية والثقافية والدينية؛ فقد بُنيت دولة الإمارات على تلك الأسس الراسخة من التسامح والتعايش السلمي بين جميع الشعوب، وعلى إيمان صلب بأهمية التنوع حتى داخل المجتمع الواحد.
وبالنسبة للصين، كان الانفتاح بمثابة رؤية للعالم، كان لها الفضل الكبير في الانتقال بالبلاد نحو اقتصاد حيوي وقوي أصبحت بفضله ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم. 
والمشترك الآخر هو التوافق على أن الاقتصاد لغة عالمية لا يختلف اثنان في نطقها وقوة منطقها، وهي أقوى من لغة السياسة ومتغيراتها دائمة التحول بين الدول.
الصين تخطّت اليابان وحلت مكانَها في المرتبة الثانية، ولديها خطة لكي تتجاوز الولايات المتحدة في عام 2030، وهي تستحوذ في خزائنها على ثلثي دولارات العالم، وقد حصلت عليها رغم أزمة 2008 المالية العالمية التي لم تستطع بعض الدول الخروجَ من آثارها السلبية إلى الآن. لقد أصبحت في الصدارة بمقياس الميزان التجاري وفائضه الذي يبلغ مع أميركا نحو نصف تريليون دولار.
والقضية الأكبر التي تهم العالم أجمع، تتعلق بالسلم العالمي، وذلك باتخاذ سياسة تصفير المشاكل وتقريب المصالح. فدولة الإمارات لها مشروعها الخاص بالدعوة إلى حل المشكلات البينية بالطرق الدبلوماسية وعبر الحوار الاستراتيجي البنّاء، بدل خوض الحروب تلو الأخرى بلا جدوى لأي طرف.
وكذلك الوضع مع الصين التي ترفض بشدة التدخل الخارجي والعمل العسكري في النزاعات التي تلف مناطق مختلفة من العالم، وذلك وبالرغم من حجم الضغوط الدولية عليها، وبالأخص من قِبل الولايات المتحدة الأميركية.
الإمارات في المرحلة الراهنة، قررت الذهاب باتجاه التعامل مع الأقطاب العالمية المتعددة، من دون إغفال مصالحها مع بقية الدول الكبرى، في توازن يحافظ على علاقاتها مع الجميع، وفي القلب منه الصينُ أيضاً.

*كاتب إماراتي