يمكن للإنسان أن يتعايش مع ارتفاع درجات الحرارة، لكن ذلك التعايش لا يتجاوز مدى معيّناً يسميه العلماء «الحدود الفيزيولوجية»، فإذا ما تجاوزت درجات الحرارة هذه الحدود تصبح الحياة مستحيلة، إنه الموت ببساطة.
ترى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن الحرارة الشديدة ستكون القاتل الصامت الأكبر في العالم. كان عام 2023 الأكثر حرارة في تاريخ العالم المعاصر، وفي آسيا كانت هناك (80) كارثة مرتبطة بالمناخ المتطرف، وتصف الأمم المتحدة آسيا بأنها قارة هشّة في مواجهة تغير المناخ. كان عام 2023 الأكثر حرارة في تاريخ اليابان وكازاخستان، وتجاوزت الحرارة في الصين (40) درجة، وفي منتجعات الفلبين السياحية (47) درجة، وفي بنجلاديش صلّى المسلمون صلاة الاستسقاء، بعد أن توقفت الأمطار، وأغلقت المدارس.
لقد اجتمعت العديد من الأخبار السيئة دفعةً واحدة: ارتفاع درجة حرارة المنطقة القطبية الشمالية، وبدء تفكك (20) نهراً من (22) نهراً جليدياً. ارتفاع درجة حرارة سطح المياه في المحيطات، وزيادة حموضتها وهلاك الكثير من الكائنات البحرية. ذوبان التربة الصقيعية في شمال العالم بأسرع معدل لها. صعود منحنى العطش في العالم على أثر الجفاف وارتفاع الحرارة. في بلد عملاق مثل الهند يواجه (600) مليون شخص مشكلة في الحصول على المياه، ويموت قرابة ربع المليون شخص سنوياً للسبب ذاته، وفي مدينة بنجالور العاصمة العلمية للهند بدأ علماء وباحثون يغادرون وادى السيليكون الهندي، والذي يضم (1500) شركة، وينتج نحو (200) مليار دولار، بسبب نقص المياه.
تشير الأمم المتحدة إلى خطر كبير قد ترتب على ذلك كله، حيث انهارت مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت صالحة للزراعة. ومنذ عام 2015 فقد العالم - بسبب الجفاف - نحو (4) ملايين كيلومتر مربع من الأراضي الصالحة للزراعة، ثم نصحت الأمم المتحدة بضرورة وقف انهيار المزيد من الأراضي، واستعادة المليار هكتار المفقود (أكثر من ملياري فدان) بحلول عام 2030.
وإذا كان لابد من استكمال حزمة الأخبار السيئة التي سبّبها تغيّر المناخ.. فإن الأراضي المخصصة للرعي تواجه تدهوراً حاداً هى الأخرى، وحسب الأمم المتحدة، فإن نصفها تقريباً يواجه التدهور، وهو ما يهدد الأمن الغذائي في العالم، أخذاً في الاعتبار أن الرعاة في (100) دولة يشرفون على تربية (1) مليار حيوان.
يحاول العقلاء في العالم فعل شيء لإبطاء خُطى الإنسان نحو الفناء، ويحاول التحالف الدولي لمكافحة الجفاف، ومن ورائه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر.. تصحيح المسار.
لكن بعضهم بات واقعياً، ويخشى ألاّ تسفر تلك المعاهدات الرائعة والنوايا الطيبة عن شيء، وراحوا يدعون لإعداد العدّة لسيناريو الفشل.
في هذا السياق اليائس يطرح بعضهم إقامة «ملاجئ حرارية» أو مآوٍ حرارية للطوارئ، من أجل استقبال الهاربين من «حرّ الموت»، ويشمل ذلك إقامة مراكز تبريد للبشر، والاستعداد لاستقبال أعداد كبيرة من لاجئي المناخ.
يالهول ما يواجه عالمنا.. (2.5) تريليون دولار نفقات العالم العسكرية عام 2023 استثمارات هائلة في الموت، وإنفاق محدود في الحياة.. يبحث العالم عن مياه في المريخ.. ويذبلُ كوكبنا من العطش.
*كاتب مصري