هل يمكن مواجهة إرهاب المناخ المتطرّف ومظاهر التغير المناخي وتداعياته الأمنية بالأدوات الدفاعية والوقائية التقليدية؟ وهل يتطلب الأمر أن تنشأ الجهات الأمنية مراكز بحوث ودراسات وجامعات مبتكرة لفهم التغيرات المناخية وقدرتها على تعطيل الحماية والدفاع عن سيادة دولها واستقرارها؟
تتزايد خطورة التغيرات المناخية عندما تتزامن مع المخاطر الاستراتيجية غير التقليدية كالصواريخ الفرط صوتية في المجال الفضائي والجوي والبحري والبري، حيث نجد أن قدرة الغالبية العظمى من دول العالم لن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها.
وماذا عن تطور المسيّرات الطائرة من دون طيار وتحولها لمسيّرات فرط صوتية، وهو مستقبل تلك المهددات، بالإضافة إلى السحب والرياح المحمّلة بالأسلحة الحيوية والبيولوجية والنبضات الكهرومغناطيسية والغيوم الماطرة المدمرة؟ وماذا لو كانت الجائحة القادمة هي الحرب العالمية الثالثة؟
ومن جانب آخر، ماذا عن ثروات بعض الدول غير المعلن عنها؟ وهي لا تقل أهميةً عن الغاز والنفط والتقنيات والبرمجيات المتقدمة للغاية، وذلك على غرار التربة، ونعطي مثالاً على ذلك أن الصين لديها أتربة نادرة وهي المواد الضرورية لصنع كل شيء من التقنيات النظيفة إلى الطائرات المقاتلة، وبعد ثلاثة عقود أصبحت الصين تنتج 60% من الإنتاج العالمي و85% من قدرة معالجة المعادن الحيوية، وهي أكبر مصدر للواردات لأكثر من نصف المعادن المصنفة على أنها ذات أهمية استراتيجية من قبل هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، لذلك لا تعلم متى ستكتشف المعادن الأخرى التي ستكون عاملاً استراتيجياً جوهرياً في صراع الهيمنة العالمي، وما دور نتائج التغير المناخي في ذلك؟
أن تعطل سلاسل التوريد العالمية بسبب الأحوال الجوية القاسية قد يشغل العالم في المستقبل القريب ويعيق قدرة الجيوش للوصول إلى الإمدادات الحيوية. وتعد قطاعات التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي، والأنظمة المستقلة، وأشباه الموصلات ضرورية للأمن الشامل للدول وترتبط بالإرهاب الرقمي، ونستحضر من التاريخ كيف أدت الفيضانات الشديدة في ماليزيا في عام 2021 وهي مركز رئيسي لتجميع وتعبئة أشباه الموصلات، إلى تعطيل سلسلة التوريد مما ساهم في نقص عالمي في أشباه الموصلات.
سوف تقلل الأحوال الجوية القاسية من نمو وإنتاجية وصحة وكفاءة وفعالية الأمن العالمي، وزيادة وتيرة وحجم وتعقيد وكلفة وكفاءة العمليات الاحترازية، ونظراً لتزايد الكوارث الطبيعية سيتم استدعاء القوات العسكرية بشكل متكرر كأول المستجيبين للكوارث والإغاثة الإنسانية، وخاصةً في الحالات التي تتجاوز نطاقها المعتاد. والسؤال: هل الجيوش مدربة ومجهزة لذلك؟ وهل توجد قوات احتياطية معنية بالاستجابة الإنسانية المدنية؟ فعلى سبيل المثال، بين عامي 2016 و2021 زاد عدد الأيام التي قضاها أفراد الحرس الوطني الأميركي في مكافحة حرائق الغابات بمقدار 162 ألف يوم، حيث أدى الجفاف إلى إطالة موسم الحرائق.
من جهة أخرى، لدى منظومات الأمن الوطني والقومي في العالم قلق متزايد إزاء الهندسة الجيولوجية، التي أصبحت الآن موضوعاً للمناقشة على نحو متزايد باعتبارها خياراً قابلاً للتطبيق في التعامل مع تغير المناخ، وهذا هو الحال بشكل خاص مع الهندسة الجيولوجية الشمسية، والتي تنطوي على إرسال جزيئات ثاني أكسيد الكبريت العاكسة إلى الغلاف الجوي لتعكس الإشعاع الشمسي بعيداً عن الأرض وتقليد تأثير التبريد للثوران البركاني، وتجري الأبحاث حول الهندسة الجيولوجية في مختلف أنحاء العالم وخاصةً في الولايات المتحدة والصين والهند، ونظراً لعدم وجود حوكمة دولية حالياً للهندسة الجيولوجية، فمن المتصور أنه في المستقبل يمكن لدولة واحدة تعاني من التأثيرات المناخية أن تقرر إجراء الهندسة الجيولوجية بمفردها، وقد يتسبب هذا في تغير أنماط الطقس في جميع أنحاء العالم، أو تعطيل الرياح الموسمية، أو تدهور طبقة الأوزون، أو إثارة موجات الجفاف التي تؤثر على الزراعة، ويمكن أيضاً تسليحها وهذا يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التوترات بين الدول أو حتى أن يؤدي إلى الحرب، ولذلك على جميع دول في العالم أن تأخذ في الاعتبار تغير المناخ في جميع عملياتها وأنشطتها وعملياتها التجارية وصنع القرار، وتخصيص الموارد لضمان استمرار الأعمال في مرافقها وخدماتها وتدفق البضائع من وإلى أراضيها.
*كاتب وباحث إماراتي متخصص في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات