دانت أعلى هيئة قضائية دولية، وهي محكمة العدل الدولية، العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح، وأصدرت قراراً يطالب تل آبيب «بالوقف الفوري لهجومها العسكري على رفح». وكانت جنوب أفريقيا قد طلبت من محكمة العدل الدولية، الخميس 16 مايو الجاري، أن تأمر بوقف الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح في جنوب غزة، حيث يحتمي نحو نصف سكان القطاع بعد نزوحهم بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية في الشمال. كما طلبت من المحكمة أن تأمر إسرائيل بالانسحاب الكامل من قطاع غزة. وطلب هذا الإجراء الطارئ هو جزء من دعوى أكبر رفعتها جنوب أفريقيا أمام المحكمة في لاهاي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية.

وكانت المحكمة، بعد جولة الاستماع الأولى في يناير الماضي، قد رفضت الطلب الرئيسي الذي تقدمت به جنوب أفريقيا لوقف الحرب في قطاع غزة. وأصدرت عدداً من الأوامر المؤقتة ضد إسرائيل وارتأت أنه من المعقول أن إسرائيل انتهكت بعض الحقوق المكفولة للفلسطينيين في القطاع بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وأمرتها بالكف عن أي أعمال يمكن أن تندرج تحت اتفاقية منع الإبادة الجماعية، كما أمرتها باتخاذ إجراءات لتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة.

ومن ثم أعلنت المحكمة في مارس المزيد من التدابير الطارئة، حيث أمرت إسرائيل باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية والفعالة لضمان وصول الإمدادات الغذائية الأساسية للفلسطينيين في القطاع. ودخلت القوات الإسرائيلية محافظة رفح في 7 مايو الجاري، متجاهلةً الدعوات المتكررة للإحجام عن توسيع هجومها البري إلى رفح. وبعد ساعات فقط من أوامر محكمة العدل الدولية بـ«الوقف الفوري» للهجوم العسكري على رفح صعّدت إسرائيلُ من قصفها على المدينة، ما يعد تجاهلاً لأوامر المحكمة الدولية وتصميماً على استكمال الحرب.

ومن ناحية أخرى، تدرس حالياً لجنةٌ من قضاة المحكمة الجنائية الدولية طلبَ مدعيها العام كريم خان، بإصدار أوامر اعتقال بحق بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووزير دفاعه يوآف غالانت، وثلاثة قادة من «حماس»، هم: إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي، ويحيى السنوار رئيس «حماس» في غزة، ومحمد ضيف قائد جناحها العسكري. وسيتم إرسال مذكرات الاعتقال إلى الدول الأطراف في «نظام روما الأساسي» المؤسِّس للمحكمة الجنائية، وهي 124 دولة، ستكون ملزمة بالتعاون مع المحكمة لتنفيذ مذكرات الاعتقال. وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد فتحت في عام 2021 تحقيقاً حول جرائم حرب محتملة في غزة يطال إسرائيل و«حماس» وفصائل فلسطينية أخرى. وقال مدعي عام المحكمة، كريم خان، إن التحقيق توسع ليشمل ما جرى في غزة بعد هجوم «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.

ويثير صدور مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية تحدياتٍ لحلفاء إسرائيل الأعضاء في المحكمة إذا صدرت مذكرات الاعتقال وسافر نتنياهو وغالانت عبر أراضي أي من الدول الـ124 الموقعة على نظام روما الأساسي. واليوم يتعرض نظام العدالة الدولية بشقيه لاختبار حقيقي وتتعرض الدول كذلك لاختبار أخلاقي، فلا أحد فوق القانون مهما كان مركزه أو هدفه، وعلى جميع الدول احترام شرعية المحاكم الدولية سواء محكمة العدل الدولية التي تنظر في التزام الحكومات كدول باتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية، أو المحكمة الجنائية الدولية التي تعد محكمة للأفراد. وهي فرصة لإنهاء حلقة الإفلات من العقاب التي استمرت لعقود.. والأهم من كل ذلك استعادة مصداقية نظام العدالة الدولية ككل.

* كاتبة إماراتية