انتشر مفهوم الاقتصاد الرقمي، أو الاقتصاد الجديد، منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وهو مزيج من الحوسبة الرقمية والاقتصاد الحديث، وبمعنى آخر يشير هذا المصطلح العام إلى كيفية إدارة الأنشطة الاقتصادية التقليدية (الإنتاج والتوزيع والتجارة) من خلال الإنترنت وتقنيات شبكة الويب العالمية. وتشير الدراسات إلى أن الاقتصاد الرقمي هو محور عملية الانتقال من الثورة الصناعية الثالثة، وهي التغيرات التي حدثت في أواخر القرن العشرين مع التحول من الأجهزة الإلكترونية والميكانيكية التناظرية إلى التقنيات الرقمية، إلى الثورة الصناعية الرابعة، والتي تعتمد على الثورة الرقمية حيث تستمر التقنيات اليوم في سد الفجوة بين العالم المادي والعالم السيبراني.
ومن الممكن تحديد ثلاثة مكونات رئيسية لمفهوم الاقتصاد الرقمي، هي البنية التحتية للأعمال الإلكترونية، والأعمال التجارية الإلكترونية، والتجارة الإلكترونية عامة. ووفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن 70% من الاقتصاد العالمي أصبحت منذ عام 2020 مرتبطةً بالتكنولوجيا الرقمية، وقد تنامى هذا الاتجاه بسبب جائحة كوفيد-19 والميل الشديد إلى الاتصال من خلال الإنترنت. ويُذكر أن التحول الرقمي للاقتصاد يغيِّر المفاهيم التقليدية حول هيكلة الشركات، وحول كيفية حصول المستهلكين على السلع والخدمات، وذلك لما يتمتع به الاقتصاد الرقمي من قدرة على تشكيل التفاعلات الاقتصادية بين الدول والشركات والأفراد بشكل عميق، الأمر الذي أدى لتصاعد الدعوات لإنشاء أنظمة وطنية وعبر وطنية للاقتصاد الرقمي. وكان إنشاء الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي أبرز ترجمة لتلك الدعوات.
وقد تأسس ذلك الاتحاد تحت مظلة جامعة الدول العربية في عام 2018، من قبل مجلس الوحدة الاقتصادية العربية ومقره العاصمة الإماراتية أبوظبي، ليجمع الدول العربية ويقودها نحو مستقبل الاقتصاد العالمي، أي بناء اقتصادات رقمية متطورة ومستدامة في العالم العربي، تؤثر إيجابياً في نوعية الحياة، وتدعم خطط التحول والشمول المالي وتطوير البنية التحتية المعرفية والتشريعية والتكنولوجية.. وذلك وفقاً لرؤية الاتحاد. وفي هذا الإطار يعمل الاتحاد، وبجهود ذاتية بحتة، على تحقيق العديد من المبادرات الرائدة في المجالات الاقتصادية الرقمية، ومن أبرزها مبادرة سوق الغذاء العربي، والمنصة العربية للتعليم والتدريب، ومبادرة مليون رائد أعمال، وتطوير وتحديث التشريعات والقوانين العربية الرقمية، وإنشاء تكتلات اقتصادية تنافسية، وإنشاء «صندوق الدعم العربي»، وإطلاق جائزة «الاقتصاد الرقمي العربي»، ومشروع منظومة الذكاء الاصطناعي العربي، والمنصة الرقمية العربية الإفريقية، ودعم المجتمعات المعرفية، وإنشاء المنصات الرقمية لدعم التجارة والشركات، وإنشاء «مؤشر التحول الرقمي العربي»، وتأسيس الشراكات والتعاون مع الحكومات وأبرزها التعاون مع المعهد البريطاني للتكنولوجيا لإنشاء مجمع البحث العلمي العربي الإسلامي.
وفي الآونة الأخيرة، وخلال مشاركة شخصية في أحد اجتماعات مجلس إدارة الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، لمستُ بصورة مباشرة ما يقوم به رئيس المجلس الدكتور علي محمد الخوري، وهو أحد الكفاءات الإماراتية المتميزة، لمست ما يقوم به من جهد كبير لتجميع كوكبة من الأكاديميين ورجال الدولة والاقتصاد من كافة الدول العربية لتحقيق رؤية الاتحاد. وبصورة عامة، فإن الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي يعكس إضافةً قوية واستراتيجية لجهود ورؤية دولة الإمارات العربية المتحدة في قيادة الدول العربية نحو اقتصاد حديث وقوي يقوم على توفير بنية اقتصادية رقمية عصرية تنهض بالمجتمعات العربية نحو مستقبل مزدهر مستقر.

*باحث إماراتي