في مدينة دويسبورج، قلب ألمانيا الصناعي، يوجد مجمع ضخم للصلب يعد واحداً من أكبر مصادر التلوث في أوروبا. ولكن إلى جانب أفران المصنع ومصاهره، طور الفنيون آلة يمكن أن تلعب قريباً دوراً حيوياً في تقليل انبعاثات غازات الدفيئة. باستخدام الكهرباء لتقسيم الماء إلى عنصرين، يقوم الجهاز، وهو نموذج اختباري يسمى المحلل الكهربائي، بإنتاج الهيدروجين، وهو غاز خالٍ من الكربون يمكن أن يساعد في تشغيل المطاحن مثل تلك الموجودة في دويسبورج. وإذا تم تبني هذه الأجهزة على نطاق واسع، فمن الممكن أن تساعد في تنظيف الصناعات الثقيلة، مثل صناعة الصلب، في ألمانيا وأماكن أخرى.
وقال «فيرنر بونيكوار»، الرئيس التنفيذي لشركة «تيسين كروب نوسيرا»، التي تنتج المحللات الكهربائية: «ربما نكون في واحدة من تلك الصناعات القليلة الواعدة للغاية حيث تتمتع ألمانيا بقاعدة كبيرة وواعدة للغاية». يذكر أنه قد تم فصل الشركة عن شركة «تيسين كروب»، عملاق الصلب الألماني، في عام 2023.
حصل مشروع «نوسيرا» على دعم من صندوق حكومي ألماني بقيمة 700 مليون يورو (746 مليون دولار). وبشكل عام، خصصت حكومات الولايات والحكومات الفيدرالية الألمانية 13.2 مليار يورو للاستثمار في حوالي عشرين مشروعاً لتطوير الهيدروجين.
كان مفهوم الهيدروجين كمصدر للطاقة المتجددة موجوداً منذ سنوات، ولكن خلال العقد الماضي فقط برزت فكرة قدرته على استبدال الوقود الأحفوري لتشغيل الصناعات الثقيلة، مما أدى إلى زيادة الاستثمار والتقدم في التكنولوجيا.
وقد بدأ هذا الدعم يؤتي ثماره. فقد طلب أصحاب بعض مشاريع الطاقة النظيفة الأكثر طموحاً في العالم، بما في ذلك شركة «شل»، أكبر شركة طاقة في أوروبا، وحكومة المملكة العربية السعودية، نسخاً أكبر بكثير من المحلل الكهربائي الذي تبلغ طاقته 2 ميجاوات في دويسبورج، حيث يتطلعون نحو حقبة صناعية خالية من الكربون.
وخصصت واشنطن المزيد من التمويل كجزء من الحوافز في قانون الرئيس جو بايدن للحد من التضخم لعام 2022، والذي يقدم مئات المليارات من الدولارات للتكنولوجيا الخالية من الكربون أو التكنولوجيا الخضراء. وقدمت وزارة الطاقة لشركة «نوسيرا» منحة بقيمة 50 مليون دولار الشهر الماضي لمواصلة تطوير إنتاج المحللات الكهربائية بحجم جيجاوات لأميركا الشمالية.
وقال «كريستوف نويريس»، رئيس قسم الهيدروجين الأخضر في شركة نوسيرا، إن مثل هذا الدعم الكبير يعكس الاعتراف بأن التكنولوجيا لن تنطلق دون دعم حكومي، مشيراً إلى تعهدات بمليارات الدولارات لمشاريع الصلب الأخضر والهيدروجين الأخضر من برلين إلى واشنطن.
وأضاف: «أعتقد أنهم أدركوا أنه يجب أن يكون الآن واسع النطاق».
يشير المحللون إلى قدرة الهيدروجين المنتج بالطاقة المتجددة على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الصناعات الثقيلة، بما في ذلك صناعة الصلب والسفر لمسافات طويلة جواً أو بحراً.
يقول «بيرند هايد»، الذي يرأس منصة تكنولوجيات المناخ في شركة الاستشارات «ماكينزي» وشركاه: «السبب الوحيد الذي يجعلنا لا نؤمن بالهيدروجين هو أننا لا نؤمن بإزالة الكربون تماماً. هناك صعود وهبوط، والأمور تسير على شكل موجات، لكنني واثق من أننا نسير على طريق طويل وثابت لإزالة الكربون».
تعمل ألمانيا على خفض كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة منها بشكل جذري بحلول عام 2045. وهذا لا يعني التحول إلى الوقود منخفض الكربون مثل الكهرباء للتدفئة والنقل فحسب، بل أيضاً إيجاد سبل لخفض الانبعاثات الناجمة عن الصناعات الأكثر تلويثاً للبيئة، بما في ذلك الصلب والأسمدة والصناعات التحويلية.
وتخطط شركة «تيسين كروب» لاستخدام الهيدروجين للمساعدة في نهاية المطاف في تقليل 20 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون الذي يضخه مصنع الصلب التابع لها في دويسبورج كل عام، أو حوالي 2.5% من إجمالي الانبعاثات في ألمانيا. ومؤخراً، وجدت الشركة، التي تعود جذورها إلى الثورة الصناعية في القرن 19، أن وجودها مهدد بسبب المنافسة من الصين وعوامل أخرى تقوض أعمالها الرئيسية، بما في ذلك صناعة الصلب.
وفي 11 أبريل، أعلنت شركة تيسين كروب أنها ستخفض الطاقة الإنتاجية في مصنع دويسبورج، الذي يوظف نحو 13 ألف شخص، بنحو 20%، مشيرةً إلى ارتفاع أسعار الطاقة والضغط لتحقيق الحياد الكربوني من بين أسباب التخفيض.
إن دخول شركة تيسن كروب في مجال الهيدروجين من خلال شركة نوسيرا، التي تمتلك ما يزيد قليلاً عن 50% منها، يُظهِر أن بذور النمو الاقتصادي للصناعات الألمانية ربما تكون في المناطق الصدئة الناجمة عن الاضمحلال الصناعي. ومن بين الشركات التي كانت تمتلكها شركة تيسين كروب كانت هناك شركة رائدة عالمياً في توريد معدات صنع الكلور، وهي مادة كيميائية لها العديد من الاستخدامات بما في ذلك مياه الشرب وحمامات السباحة. وكما تبين، يمكن استخدام الإصدارات الجديدة لهذه الآلات لإنتاج الهيدروجين.
إن الارتباط بشركة معروفة ساعدت في بناء المصانع والمرافق الكبيرة الأخرى حول العالم أصبح بمثابة ميزة بيع مغرية للعملاء المحتملين. عندما قررت شركة «سي إف» للصناعات CF Industries، وهي شركة كبيرة لتصنيع الأسمدة، الاستثمار في محلل كهربائي للمساعدة في إنتاج الأمونيا منخفضة الانبعاثات في مصنع في دونالدسونفيل، لويزيانا، كان سجل الإنجازات الصناعية لشركة تيسين كروب هو الذي دفعها إلى اختيار شركة نوسيرا لتزويد وحدة بقيمة 100 مليون دولار.
وسمات مماثلة دفعت شركة «إتش2 جرين ستيل»، وهي شركة ناشئة مقرها في ستوكهولم، إلى اختيار شركة تيسين كروب لتزويد ما قد يكون أكبر محلل كهربائي في أوروبا لمصنع في شمال السويد لإنتاج الفولاذ الخالي من الانبعاثات.
ولم تنج شركة نوسيرا تماما من الركود في مصادر الطاقة المتجددة، والذي أضر بأسهم الشركات الأخرى التي تركز على الهيدروجين مثل «آي تي إم باور» في بريطانيا و«بلج باور» في الولايات المتحدة. وتراجعت أسهم الشركة التي كانت مدرجة بسعر 20 يورو في يوليو، إلى نحو 12 يورو.
ومع ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم الذي يقلب اقتصاديات مشاريع الطاقة المتجددة رأساً على عقب، تراجع المحللون عن توقعاتهم بشأن اعتماد الهيدروجين. وقال «هيكتور أريولا»، المحلل الرئيسي للهيدروجين في شركة «وود ماكنزي»، للاستشارات في مجال الطاقة: «كل شيء أغلى مما كان يُعتقد في الأصل».
وقالت نوسيرا في فبراير إن مبيعات الربع المنتهي في 31 ديسمبر ارتفعت بنسبة 35% عن العام السابق، لتبلغ 208 ملايين يورو.
وجاءت هذه الدفعة بشكل رئيسي من تسليم المحللات الكهربائية إلى السعودية، حيث تقوم الشركة بتوريد ما يمكن أن يكون أكبر مجموعة في العالم من منتجي الهيدروجين الأخضر كجزء من مشروع بقيمة 8.4 مليار دولار في منطقة نيوم، المدينة الطموحة.
ستانلي ريد
صحفي مقيم في لندن ويكتب عن الطاقة والمناخ
ميليسا إيدي
مراسلة مقيمة في برلين متخصصة في الاقتصاد

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»