تتواصل الانتخابات البرلمانية في الهند على قدم وساق. وبلغت نسبة المشاركة في المرحلة الثالثة، التي اختتمت قبل يومين، 62.1 %، في وقت بلغت فيه هذه الانتخابات الضخمة منتصف الطريق. ذلك أن الانتخابات الهندية الحالية تجرى على 7 مراحل من 19 أبريل إلى 1 يونيو المقبل، على أن يتم فرز الأصوات في الرابع من يونيو. أكثر من 1300 مرشح، من بينهم 120 امرأة، تنافسوا على 93 مقعداً في 10 ولايات هندية في هذه المرحلة الثالثة والمهمة من الانتخابات. ولكن أحد الأمور التي أخذت تثير القلق هو انخفاض نسبة المشاركة. فخلافاً لانتخابات 2019 السابقة، ظلت نسبة المشاركة هذه المرة متدنية، ما يوحي بوجود شعور بالإرهاق من العملية الانتخابية الطويلة.
وإذا كان من غير المعروف حتى الآن الحزب الذي سيستفيد من هذا الانخفاض في نسبة المشاركة، فإن حزب بهارتيا جاناتا الحاكم، الذي يظل المرشح الأوفر حظاً في هذه الانتخابات، بدأ يشعر ببعض القلق من هذا المنحى. والواقع أنه حتى قبل الإعلان عن الانتخابات، كانت استطلاعات رأي متعددة تتوقع فوز الحزب الحاكم بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، رغم أنه قضى ولايتين في السلطة. ونتيجة لذلك، فإن السؤال في الهند لم يكن يتعلق بمن سيفوز في هذه الانتخابات وإنما بعدد المقاعد التي سيفوز بها حزب بهارتيا جانتا. فالحزب خاض حملته الانتخابية وهو يطمح للحصول على أكثر من 400، وبالتالي تحطيم رقمه السابق حين فاز في انتخابات 2019 بـ303 مقاعد من أصل 543 مقعداً.
ولكن انخفاض نسبة المشاركة، حتى الآن على الأقل، يشير إلى أن تحقيق هذا الهدف لن يكون بالسهولة التي كان يتمناها مخططو الحزب. في هذه الانتخابات، خاض رئيس الوزراء مودي نفسه حملات انتخابية مكثفة عبر البلاد وعد فيها بتوسيع اقتصاد الهند من حوالي 3.7 تريليون دولار حالياً إلى 5 تريليونات دولار بحلول 2027. مودي، الذي سلّط الضوء على خططه للرعاية الاجتماعية والنمو الاقتصادي السريع للبلاد، وعد الناخبين أيضاً بوضع الهند على المسار الصحيح حتى تصبح دولة متقدمة بحلول 2047. ومن جانبه، وعد حزب بهارتيا جانتا في برنامجه الانتخابي بخلق فرص عمل، وتعزيز البنية التحتية، وتوسيع برامج الرعاية الاجتماعية في الولاية الثالثة من حكمه.
وتُعد هذه الانتخابات معركة بين الحزب الحاكم ومجموعة معارضة موحدة تدعى «تحالف الهند»، وهي عبارة عن ائتلاف متنوع من الأحزاب المحلية يقوده حزب «المؤتمر الوطني» الهندي.. في النظام البرلماني الهندي، يقوم الناخبون في كل دائرة انتخابية باختيار مرشحين من بين أحزاب مختلفة. والمرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات هو الفائز، ويحق له الحصول على مقعد في الغرفة السفلى للبرلمان. ويكلَّف بتشكيل الحكومة الحزبُ أو الائتلاف الذي يحصل على أغلبية بسيطة تعادل 271 مقعداً أو أكثر من أصل 543 مقعداً (هي إجمالي مقاعد البرلمان).
ويتم اختيار رئيس الوزراء من قبل الحزب أو الائتلاف الذي يظفر بأغلبية المقاعد، ولكن العقبة الرئيسة أمام تطلع «مودي» للحصول على أكثر من 400 مقعد تتمثل في مدى تأثير قضايا المعيش اليومي للمواطنين على قرارات الناخبين في عملية التصويت. كما تظل البطالة قضية بالغة الأهمية، إذ وجد استطلاع حديث للرأي في 19 ولاية من أصل ولايات الهند الـ28 أن البطالة تظل مصدر القلق الرئيس بالنسبة لـ27% من الناخبين. هذا في حين يأتي ارتفاع الأسعار في المرتبة الثانية بنسبة 23% حتى في الوقت الذي تشهد فيه الهند اقتصادا سريع النمو. حزب بهارتيا جانتا وزعماؤه ركزوا في تجمعاتهم الانتخابية على الحوكمة القوية، ووعد بتطبيق قانون مدني جديد في البلاد، وهو ما خلق حالة من الذعر بين الأقليات الدينية التي تخشى من أنه إذا حصل الحزب الحاكم على أكثر من 400 مقعد في هذه الانتخابات، فإنه سيمتلك أكثر من الأغلبية المطلوبة في البرلمان التي تخوّل له تعديل أجزاء من دستور الهند.
وفي الأثناء، يَعد حزب «المؤتمر» وشركاؤه في «تحالف الهند» ببرامج اجتماعية لفائدة النساء، وبـ3 ملايين وظيفة حكومية إضافية خاصة للشباب، وبالتركيز على تدريب الشباب، وتأهيلهم إذا وصل إلى السلطة. هذا وتكتسي الانتخابات الهندية تأثيراً عالمياً أيضاً. ذلك أن الهند هي الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم، وأي تطورات سياسية تشهدها لها تأثير مباشر على النمو العالمي. والأكيد أن الحكومة التي ستأتي إلى السلطة ستقود البلاد في وقت دقيق ينمو فيه الاقتصاد الهندي بنسبة 7% تقريباً، ويستفيد من ميزة العامل الديموغرافي، في وقت تسعى فيه إلى تجاوز الصين كقوة اقتصادية. وبالتالي فإن ما يحدث في هذه الانتخابات له أيضاً أهمية عالمية، وسيكون له تأثير واسع.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي