بعدما لزم الرئيس الأميركي جو بايدن الصمتَ لفترة طويلة حيال الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية على خلفية الحرب في غزة، قال في خطاب له يوم الخميس الماضي، إنه من الضروري أن يسود «النظام» في الحُرُم الجامعية، مضيفاً: «نحن لسنا أمة استبدادية حيث نُسكت الناس أو نقوم بسحق المعارضة.. لكننا لسنا دولة خارجة عن القانون.. نحن مجتمع مدني، ويجب على النظام أن يسود»، مؤكداً أنه «لا يمكن السماح للاحتجاجات بأن تعيق انتظامَ الصفوف ومواعيد التخرج لآلاف الطلاب في الحُرم الجامعية بمختلف أنحاء البلاد».
وأضاف: «لا يجب أن يكون ثمة أي مكان في أي حَرم جامعي، ولا في أي بقعة من الولايات المتحدة، لمعاداة السامية، أو للتهديدات بالعنف حيال الطلاب اليهود». وقال بايدن، إن التطورات وضعت على المحك مبدأين أميركيين أساسيين: الأول هو الحق في حرية التعبير وفي التجمع السلمي وإسماع أصوات الناس، والثاني هو سيادة القانون إذ «يجب دعم كليهما». وشدد الرئيس الأميركي على أنه «لا مكان لخطاب الكراهية أو العنف من أي نوع، أكان معاداة للسامية أم رهاب الإسلام أو التمييز ضد الأميركيين العرب أو الأميركيين الفلسطينيين». وتعرّض خطاب بايدن لانتقادات واسعة مِن خصومه «الجمهوريين»، وكذلك من مؤيدي الحزب الديمقراطي نفسه، خصوصاً من أقصى اليسار فيه. ولطالما كانت ثنائية حرية التعبير ومعاداة السامية على طرفي نقيض، ولطالما استخدمت تهمة «معاداة السامية» لإسكات الأصوات المنتقدة لإسرائيل من أكاديميين وإعلاميين، ولتخويف منتقدي ممارسات إسرائيل. فبعض الاتهامات بمعاداة السامية لم تعد، في نظر الكثيرين، مقبولةً، وذلك بسبب انكشاف هشاشتها السياسية والأيديولوجية.
فمن الناحية النظرية، مارس الطلبةُ حقَّهم في حرية التعبير من خلال التظاهر السلمي حول معارضة الدعم الأميركي لإسرائيل في الحرب في قطاع غزة، والتي أدت إلى مقتل أكثر من 34 ألف فلسطيني، وتدمير البنية التحتية في القطاع، كما تسببت في نزوحٍ جماعي وأزمة إنسانية. ورأى الطلبة المتظاهرون أن هذه الممارسات غير مبررة عسكرياً ولا أخلاقياً، لاسيما أن عدداً منهم يهود ومن منظمات يهودية رافضة للسياسة الإسرائيلية. يبدو المشهد السياسي الأميركي مرتبكاً ومتناقضاً؛ فمع إقرار المجتمع الأميركي بحق الطلبة في التعبير عن آرائهم السياسية انطلاقاً من الحقوق الدستورية في الحق في التعبير والحق في الاحتجاج والتظاهر، تأتي الاستعانة بأجهزة الشرطة لفض الاحتجاجات واعتقال الطلبة المحتجين. وهكذا تمثل الاحتجاجاتُ الطلابية معضلةً كبيرةً لإدارة الرئيس بايدن، خاصة وأن الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات رئاسية، ولا شك في أن آخر ما يتمناه بايدن ومستشاروه أن تعصف الأوضاع في غزة بموسم الانتخابات وأن تنعكس مواقف الرئيس على حزبه الديمقراطي وأن تعمق من حجم الانقسامات في الحزب المنقسم على نفسه منذ بدء الحرب الإسرائيلية.
وموقف الإدارة الأميركية سينعكس على موقف الناخبين، خاصة من الطلاب والشباب والأميركيين الأكثر ليبرالية، والذين يشكلون جزءاً رئيسياً من ائتلاف الحزب الديمقراطي الانتخابي. وهؤلاء جميعاً ينتقدون، وبشكل متزايد، الموقف الأميركي الرسمي المتسامح، إن لم يكن الداعم للأعمال الإسرائيلية في غزة.
وسينعكس بشكل مباشر موقف إدارة بايدن من الحراك الطلابي المعارض على صناديق الاقتراع، إن لم تسارع الإدارة إلى احتواء الضرر بعد أن وصلت تبعات الحرب في غزة لحرُم كبريات الجامعات الأميركية، من هارفارد في الشمال الشرقي إلى جامعة جنوب كاليفورنيا في أقصى الجنوب الغربي للبلاد، واضعةً الإدارة الأميركية في مأزق سياسي؛ فللحركة الطلابية أهمية استثنائية في أميركا، ولها تاريخ من الوعي الثوري في معالجة القضايا الإنسانية والسياسية، داخل الحدود الأميركية وخارجها.
*كاتبة إماراتية