علوم المناخ.. ومخاطر التضليل
العالم يزداد احتراراً. فالجليد القطبي يذوب، والأنهار الجليدية تنحسر، وكيمياء المحيطات أصبحت حمضية بشكل خطير، ومستويات سطح البحر آخذة في الارتفاع. كل هذا وأكثر هو نتيجة للغازات الدفيئة التي نستمر في إطلاقها في الغلاف الجوي، حيث تحبس وتشع الحرارة التي قد تتسرب إلى الفضاء. تلك حقائق وليست افتراضات.
ومع ذلك، فإن العلماء الذين يبحثون في تداعيات هذه الحقيقة المزعجة، التي تأكدت منذ أكثر من 100 عام، ما زالوا يواجهون هجمات تهدد أبحاثهم وسمعتهم وسبل عيشهم. وواحد منا، مايكل مان، هو أحد هؤلاء العلماء. قبل اثني عشر عاماً، وجد نفسه متهماً بالاحتيال البحثي بسبب عمله الذي يوثق الارتفاع السريع في درجة حرارة الأرض منذ أوائل القرن العشرين. وقام باحث مساعد آنذاك في معهد المشاريع التنافسية، والذي قال إنه «يشكك في إثارة القلق بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري»، بتشبيه الدكتور «مان» في مدونة نشرها المعهد بمرتكب جرائم فاضحة مدان.
وكتب: «بدلاً من التحرش بالأشخاص، قام بالتحرش بالبيانات وتعذيبها في خدمة العلم المسيّس». ثم أعاد كاتب محافظ نشر أجزاء من هذا المنشور على مدونة نشرتها مجلة «ناشيونال ريفيو»، وأضاف أن الدكتور مان كان وراء رسم «عصا الهوكي» المخادع لتغير المناخ. (نشر مان وزملاؤه منحنى أطلق عليه اسم «عصا الهوكي» لإظهار ارتفاع درجات حرارة الكوكب في المائة عام الماضية). وفي الأسبوع الماضي، وبعد رحلة دامت عقداً من الزمان في أروقة المحاكم، وجدت هيئة محلفين في واشنطن العاصمة أن كلا الكاتبين مسؤولان عن التشهير.
نأمل أن يبعث هذا برسالة أوسع نطاقاً مفادها أن الهجمات التشهيرية على العلماء تتجاوز حدود حرية التعبير المحمية ولها عواقب. وقضت هيئة المحلفين بسداد دولار واحد فقط كتعويض عن الأضرار من كل متهم، وتعويضات تأديبية قدرها 1000 دولار ضد أحد المدعى عليهم ومليون دولار ضد الآخر. هذه الحالة هي جزء من حرب ثقافية أكبر يتم فيها تشويه الأبحاث وإخفاء الحقيقة حول التهديد المناخي. لقد أصبح الهجوم على علوم المناخ أوسع وأكثر تعقيداً. حذرت «راشيل لايل طومسون»، محامية صندوق الدفاع القانوني لعلوم المناخ، الذي دعم الدكتور مان في الماضي، مؤخراً من استمرار المضايقة والترهيب و«إساءة استخدام النظام القانوني لتهديد قدرة علماء المناخ على إجراء الأبحاث بحرية ومشاركتها بشكل علني مع الجمهور». وامتدت الهجمات إلى حدود علمية أخرى.
ولنذكر هنا الاعتداء المستمر على خبراء الصحة العامة مثل الطبيبين «أنتوني فاوتشي» و«بيتر هوتيز»، اللذين سعيا إلى معالجة وباء كوفيد- 19، أو الادعاءات الكاذبة حول الآثار الصحية الضارة الناجمة عن توربينات الرياح، أو الجهود التي تبذلها إدارة ترامب للحد من البحث العلمي والطبي الذي يمكن للحكومة استخدامه لتحديد لوائح الصحة العامة، أو التراجع عن اللوائح البيئية.
وللأسف، فإن القائمة طويلة. وفي سياق هذه الحرب الأوسع على العلم، قد يكون لانتصارنا التجريبي الأخير آثار أوسع. لقد وضع حداً للتجاوز. ويعرف العلماء الآن أن بإمكانهم الرد على الهجمات من خلال رفع دعوى قضائية بتهمة التشهير. يمكن للعالِم الذي تم التشهير به أن ينشر آلاف المقالات الخاضعة لمراجعة النظراء في محاولة لتبرئة اسمه، ولكن عندما يوحد العلماء والمحامون جهودهم، يصبح من الممكن هزيمة المعلومات المضللة بسهولة أكبر.
الأمر المحبط هو أن الأمر استغرق أكثر من عقد من الزمان وساعات لا حصر لها من قبل فريق من المحامين للفوز بحكم هيئة المحلفين في قضيتنا عندما صدر الحكم بشأن الاحتباس الحراري العالمي الناجم عن النشاط البشري منذ عقود من الزمن. قبل ما يقرب من ستين عاماً، حذر العلماء الرئيس «ليندون جونسون» من أن استمرار حرق الوقود الأحفوري من شأنه أن يسبب ارتفاعاً لا رجعة فيه في درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض، مع العواقب التي نشهدها اليوم.
وكانت تركيزات ثاني أكسيد الكربون آنذاك تبلغ 320 جزءاً في المليون في الغلاف الجوي، مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة التي تبلغ حوالي 280 جزءاً في المليون. وبعد ثلاثة عقود، ومع وصول نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى 370 جزءاً في المليون، نشر الدكتور مان، الذي كان آنذاك باحثاً حاصلاً على درجة الدكتوراه، واثنان من علماء المناخ المخضرمين، «ريموند برادلي» و«مالكولم هيوز»، النسخة الأولى من الرسم البياني الذي يشبه عصا الهوكي المقلوبة.
كان مقبض العصا يرسم درجات الحرارة الثابتة نسبياً في عصور ما قبل الصناعة، في حين أظهر النصل المقلوب ارتفاعاً سريعاً في درجة الحرارة بدأ مع الثورة الصناعية. لتجميع الرسم البياني، استخدموا أرشيفات درجات الحرارة الطبيعية مثل حلقات الأشجار والشعاب المرجانية والرواسب والجليد لتقدير درجات الحرارة العالمية في الوقت المناسب. وسرعان ما أصبح الرسم البياني لعصا الهوكي ما وصفه مقال نشرته مجلة «ذي أتلانتك» عام 2013 بأنه «الرسم البياني الأكثر إثارة للجدل في العلوم». كتب المؤلف «كريس موني»: «لقد ألقى منكرو المناخ كل ما لديهم على عصا الهوكي». وأشار إلى أنهم فشلوا في دحض ذلك، لكنهم «بالتأكيد زرعوا الكثير من الشك في أذهان الجمهور». ومع ذلك، فإن آلية التضليل، التي تشنها جزئياً صناعة الوقود الأحفوري، لا تزال تثير الشكوك، وتحول الانتباه، وتؤخر العمل. وبالفعل، قال أحد المتهمين أمام المحكمة إنه متمسك «بكل كلمة كتبتها عن مايكل مان» و«عصا الهوكي الاحتيالية الخاصة به».
حتى الأسبوع الماضي، وصلت تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى 424.20 جزء في المليون، وهي مستويات لم نشهدها منذ ثلاثة ملايين عام على الأقل، عندما كانت الأرض أكثر دفئاً وكانت البحار أعلى بكثير. إن حلول الطاقة النظيفة متاحة بسهولة. ولكن التحرك الجاد في الولايات المتحدة، وهي واحدة من أكبر الدول المصدرة للانبعاثات الكربونية على مستوى العالم، أصبح عُرضة لخطر العرقلة أو الإبطاء إذا لم يتقبل قسم كبير من الناخبين الحقائق العلمية الأساسية ويفهموا العواقب المترتبة عليها. وينبغي للناخبين أن يضعوا ذلك في الاعتبار عندما يذهبون إلى صناديق الاقتراع في وقت لاحق من هذا العام. ومع استمرار تعرض علم المناخ للهجوم وزيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فإن الوقت ينفد منا.
مايكل إي مان*
*أستاذ قسم علوم الأرض والبيئة بجامعة بنسلفانيا.
بيتر جي فونتين*
**محامٍ بيئي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»