تسعى الهند إلى تعزيز نمو اقتصادها وصادراتها وجذب استثمارات في محاولة لتصبح اقتصاداً بقيمة خمسة تريليونات دولار. ولتحقيق هذا الهدف، أطلقت نيودلهي حملةً ضخمةً للبنية التحتية تستهدف بناءَ الطرق، وتحديث المطارات والبنية التحتية للسكك الحديدية، وبناء الجسور وتحسين المرافق في مدنها.

وعانت البنية التحتية في الهند لعقود من نقص الاستثمار، على الرغم من أن قواعد البنية التحتية والتركيز عليها كان موجوداً خلال عهود رؤساء الوزراء السابقين من أتال بيهاري فاجبايي إلى مانموهان سينغ.

وزاد التركيز في عهد رئيس الوزراء مودي، والآن أصبحت مشروعات كثيرة في مراحل مختلفة من التنفيذ. وتمد البلادُ طريقاً سريعاً من مومباي إلى دلهي، من المتوقع اكتماله بحلول عام 2024 وسيقلص وقت السفر بين المدينتين الكبيرتين من 24 ساعة إلى 12 ساعة.

وقبل بضعة أشهر، افتتح رئيس الوزراء مودي القسم الأول من الطريق السريع. وتشهد مدينة مومباي، المركز المالي للبلاد وموطن سينما بوليوود، تحولا في البنية التحتية بمليارات الدولارات. وتشمل المشروعات الكبرى رابط ميناء مومباي-ترانس الذي سيكون أطول رابط بحري في الهند، ويمتد لمسافة 22 كيلومترا، ويمتد عبر منطقة مومباي الحضرية ومطار مومباي الدولي الجديد. وفي العاصمة دلهي، يخضع مقر السلطة الاتحادية، لتطوير كبير. وتم افتتاح مبنى البرلمان الهندي الجديد الشهر الماضي كجزء من مشروع سنترال فيستا.

وتجري الأعمال لإنشاء مساكن جديدة لرئيس الوزراء ونائب الرئيس ومجمع من عشرة المباني لجميع الوزارات. وخلال كل ذلك، كان مودي في طليعة الجهود الرامية إلى تطوير البنية التحتية. وقد افتتح مشروعات صغيرة إلى كبيرة بدءاً من وضع حجر أساس قطار شبه شديد السرعة عند منصة للسكك الحديدية إلى افتتاح الجزء الأول من الطريق السريع.

ويجري العمل على جسر سكة حديد نهر تشناب، وهو جزء من مشروع جسر سكك الحديد أودهام بور- سيريناغار-بارامولا في كشمير الذي يبلغ طوله 119 كيلومتراً وسيكون أعلى من برج إيفل بارتفاع يصل 359 متراً فوق نهر تشناب في جبال الهيمالايا. وسيربط خط السكة الحديدية هذا كشمير ببقية البلاد.

وينصب معظم تركيز حكومة مودي على تعزيز البنية التحتية. والطريقة التي تبني بها الهند وتوسع طرقها وموانئها وسككها الحديدية، وتبني إنشاءات الطاقة المتجددة، والموانئ الجديدة، وبالتالي تحسين الخدمات اللوجستية وتحسين سهولة ممارسة الأعمال التجارية، كل هذا سيقرر مدة قدرة البلاد على أن تصبح اقتصاداً بقيمة خمسة تريليونات دولار بين عامي 2025 و2026، ارتفاعاً من 3.5 تريليون دولار اليوم. لكن السؤال هو: هل تستطيع الهندُ مواصلةَ المضي قدماً في إقامة هذه البنية التحتية بالأموال العامة؟

وهل ستبدي الشركاتُ الخاصة اهتماماً أكبر؟ هناك أيضاً مشكلات تحيط بالمشكلات القديمة مثل الاستيلاء على الأراضي مما يؤدي إلى إبطاء تنفيذ المشروعات. ويظل الاستحواذ على الأراضي تحدياً بالنسبة للمشروعات الفردية، على الرغم من أن الحكومة الاتحادية حققت بعض النجاح من خلال تقديم تعويضات أعلى لإقناع ملاك الأراضي غير الراغبين.

وواجه أول مشروع قطار فائق السرعة في الهند يمتد 508 كيلومترات بين أحمد اباد ومومباي باستخدام «تكنولوجيا شينكاسين» اليابانية، تأخيرات متعددة، بسبب قضايا تتعلق بالاستحواذ على الأراضي والموافقات البيئية. فقد تأخر مشروع تقليص وقت السفر بين المدينتين من ثماني إلى ثلاث ساعات أربع سنوات على الأقل.

وفاتت مواعيد نهائية كثيرة على ممر اصطناعي مماثل بين دلهي ومومباي الذي تم وضع تصوره في عام 2007 في عهد رئيس الوزراء السابق مانموهان سينغ، وكان الموعد النهائي الأخير في عام 2024. وجاء في تقرير صادر عن وزارة الإحصاء وتنفيذ البرامج التي تراقب مشروعات للبنية التحتية تزيد قيمتها على 1.5 مليار روبية، ويواجه نحو 408 مشروعات تخطياً إجماليا للكلفة يزيد عن 4.8 تريليون روبية حتى مايو 2023. وقد تأخر 814 مشروعاً آخر بسبب مشكلات تتراوح بين الاستحواذ على الأراضي وإزالة الغابات وتوريد المعدات وقضايا متعلقة بالقانون والنظام، ناهيكم عن التأخر الناتج عن كوفيد-19.

والانتهاء في المواعيد المقررة شديد الأهمية لتعزيز ثقة المستثمرين، حيث يؤدي التأخير إلى تخطي الكلفة المقررة سلفاً، مما ينفر المستثمرين من القطاع الخاص.

والقضية الأكبر تتلخص في اجتذاب الشركات الخاصة الأصغر حجماً للاستثمار في وقت يتسم بعدم اليقين العالمي وتعزف فيه الشركات عن تنكب المخاطر. وبالنسبة للهند، يعد تحسين شبكة الطرق والسكك الحديدية التي تتضمن الربط الكامل بالموانئ، أمراً شديد الأهمية، حيث تبلغ الكلفة اللوجستية الحالية ما بين 13 و14 في المئة من إجمالي الإنتاج المحلي للهند.

وتبلغ نسبة النمو في بلدان كثيرة أخرى ثمانية بالمئة أو أقل، مما يعني أنه من الصعب على المصدرين الهنود التنافس على المستوى العالمي. لكن من الإيجابيات أن قطاعي الطرق والسكك الحديدية تمكنَا من استيعاب مبلغ كبير من المال. ولا شك في أن الهند لديها الكثير من المناطق التي يتعين عليها تغطيتها في تطوير البنية التحتية، بما في ذلك مدنها التي أصبحت مكتظة بالسكان. ومن المتوقع أن يتضاعف عدد سكان المناطق الحضرية، وفقاً للتقديرات، من 498 مليون نسمة يعيشون في مدن الهند إلى ما بين 850 و900 مليون نسمة بحلول عام 2050.

وسيفرض هذا ضغوطاً على وسائل الراحة حتى مع سعي الحكومة إلى إنشاء مدن ذكية بمشروعات تتضمن أنظمةً أفضل للتخلص من النفايات ولتحسين الاتصال. ولا شك في أن الهند تسير على الطريق الصحيح، لكن يتعين عليها أن تحافظ على وتيرة البنية التحتية لدفع النمو بشكل أكبر.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية -نيودلهي