في 5 ديسمبر، أطلق 192 جهاز ليزر بمنشأة «ناشيونال إيغنيشن فسيليتي» («إن آي إف») التابعة لـ«مختبر لورانس ليفرمور الوطني» في كاليفورنيا، طلقةً متزامنةً على أسطوانة ذهبية بحجم حبة حلوى صغيرة. فبدقة شديدة، ركزت الكبسولة شعاع الليزر على حبة هيدروجين مجمدة. وفي جزء من الثانية، تجاوزت درجة الحرارة في الهيدروجين درجة الحرارة الموجودة في لبّ الشمس، ما أجبر نوى ذرات الهيدروجين على الاندماج مع بعضها البعض. 
يقيس العلماء التقدم في هذه التجارب من خلال مقارنة الطاقة التي يتم إدخالها في التفاعل مع الطاقة الخارجة منه. وفي منشأة «إن آي إف» كان هناك ربحٌ صافٍ حينما أصبح 2,05 ميغاجول من الطاقة 3,15 ميغاجول على الطرف الآخر. وهكذا، بات لدينا لأول مرة دليل قاطع على أن أجهزة الليزر أطلقت طاقة نووية من الوقود تحت ظروف مختبرية متحكم فيها. 
سيناتور نيويورك تشارلز شومر صرّح بأن هذا الاختراق يَعد بنتائج إيجابية جداً في المستقبل، وقال في تصريح له: «إن هذا التطور العلمي المذهل يضعنا على أعتاب مستقبل لا يعتمد على الوقود الأحفوري، وإنما يستمد طاقتَه من الاندماج النووي النظيف الجديد».
غير أن طاقة اندماج من أجهزة الليزر لن تكون متاحةً قريباً لأن هذه الأجهزة تفتقر للكفاءة إلى حد كبير. ذلك أنها تحتاج إلى 300 ميغاجول من أجل إطلاق طلقة واحدة، أي ما يكفي لتزويد بيت أميركي متوسط بالطاقة الكهربائية لثلاثة أيام. وحتى تكون ناجعةً من الناحية التجارية، يجب أن تتحسن كفاءتها بشكل كبير، وأن يتكرر التفاعل بتسلسل سريع، وأن يتم تصنيع الأهداف بكلفة منخفضة وبأعداد كبيرة. 
وبالنظر إلى أنه من المحتمل أن تمر عقود قبل أن نتمكن من تغذية الشبكة الكهربائية بطاقة الاندماج، يجوز لنا أن نتساءل ما إن كان ينبغي لنا أصلاً اعتبار هذا الأمر خبراً ساراً بالنسبة للمناخ. كاثرين هايهو، عالمةُ المناخ بجامعة «تكساس تِك يونيفرسيتي»، قالت إنه ليس كذلك، إذ غرّدت على تويتر تقول: «لدينا أصلاً التكنولوجيات التي نحتاج إليها من أجل جعل 80 في المئة من كهربائنا خاليةً من الكربون بحلول عام 2030».
والواقع أن إثبات أنه من الممكن إنتاج طاقة من الاندماج في المختبر لن يلبّي حاجتَنا الفورية لتقليص انبعاثات الكربون، مثلما أنه لن يساعدنا على السيطرة على الأضرار التي ألحقناها بالمناخ. لكن علينا أن نفكر في ما هو أبعد من مهمتنا الحالية المتمثلة في صافي الصفر، أي خفض الانبعاثات إلى أقرب مستوى ممكن من الصفر.
والواقع أن قرار زيادة الاستثمار في الاندماج النووي في أعقاب هذا الاختراق العلمي هو في النهاية أمر يتعلق بمدى تقديرنا لحيوات أجيالنا المقبلة. فالطاقة الريحية والشمسية كثيراً ما تحتاج إلى منشآت كبيرة تشغل مساحات ضخمة من الأراضي (باستثناء الطاقة الريحية في البحر). وعلاوة على ذلك، فإن الطاقة الشمسية والريحية تعمل في بعض مناطق العالم بشكل أحسن مقارنةً مع مناطق أخرى. كما أن جزءاً كبيراً من أوروبا يقع في أقصى الشمال مقارنة مع الولايات المتحدة، ويحصل على قدر أقل من أشعة الشمس خلال فصل الشتاء. ثم إن معظمنا في أوروبا لا يعيش في جزيرة نستطيع أن نحيط أنفسنا فيها بمزارع طاقة ريحية. 
ولا شك في أن الطاقة النووية، بما في ذلك الاندماج، تُعد طريقةً لتوليد كمية ضخمة من الكهرباء في مساحة صغيرة. وهذا امتياز كبير في عالم يعرف ضغوطاً قويةً على مساحة محدودة من الأرض، كما أن الأجيال القادمة تستحق محاولة في هذا النوع لتخفيف الضغط. 
غير أن الاندماج النووي عمليةٌ مكلِّفةٌ. فحتى الآن، بلغ إجمالي النفقات بالنسبة لمركز «إن آي إف» 3,5 مليار دولار. وهناك مشاريع أخرى مماثلة مخطط لها من المتوقع أن تتطلب أكثر من 20 مليار دولار. غير أنه في العقد الماضي، جذب هذا المجالُ اهتمامَ مستثمرين خواص أيضاً. وبعد الاختراق الذي حققه مركز «إن آي إف»، من المرجح أن يجذب المزيدَ من مليارات الدولارات من القطاعين الخاص والعام. 
ريتشارد بلاك، صحفي سابق من هيئة الإذاعة البريطانية («بي بي سي»)، حذّر في تغريدة له على تويتر من أن توليد الكهرباء من الاندماج النووي «قد يَثبُت أنه باهظ جداً»، حتى وإن كان ممكناً للتطبيق من الناحية التقنية. فبحلول الوقت الذي تصبح فيه هذه التكنولوجيا متاحةً للتطبيق التجاري، يقول بلاك، «ستكون بلدان كثيرةٌ قد أزالت الوقودَ الأحفوري من نظامها الكهربائي. وبعد 15 عاماً على ذلك، لن تكون هناك جدوى من استبدال الطاقات النظيفة والرخيصة للغاية باندماج نووي نظيف وربما باهظ». 
بيد أن إمكانيةَ أن نكون قد خلّصنا اقتصاداتِنا من الكربون إلى حد كبير بحلول الوقت الذي يصبح فيه الاندماج النووي مفيداً من الناحية التجارية، ليس من المسلّمات. ذلك أن مشاريعَ الطاقة الشمسية والريحية التي نُنشئها الآن يجب أن تكون مصحوبةً بقدرات تخزين كافية للطاقة، والحال أننا ما زلنا بعيدين عن القدرات التي نحتاجها لتوسيع مصادر الطاقة هذه. كما أنه من الممكن أن تختار بعض البلدان الاستثمارَ أكثر في الانشطار النووي، الذي يستخدم في محطات الطاقة النووية اليوم، من أجل التخلص تدريجياً من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
والواقع أنه لا الاندماج النووي ولا الانشطار النووي ينتج ثاني أوكسيد الكربون، فكلاهما يستطيعان إنتاج كميات كبيرةً من الطاقة انطلاقاً من كميات صغيرة من الوقود. ولكن خلافاً للانشطار، لا يخلق الاندماج نفايات مشعة طويلة العمر. ونظراً لأن الاندماج النووي لا يسمح بتفاعلات منفلتة، أي لا خطر فيه للانتشار النووي، فمن الممكن أن يكون أقلَّ كلفةً من قوة الانشطار النووي حينما تنضج التكنولوجيا. 
علم المواد والحوسبة والذكاء الاصطناعي، كلها مجالات تساهم في جعل الاندماج النووي طاقةً أكثر كفاءةً. ومثلما بات باستطاعة الروبوتات فجأة أن تمشي بعد تعثرها وسقوطها لعقود، فإن توليد الطاقة من الاندماج النووي سيصبح عملياًّ ليس بسبب اختراق علمي كبير، وإنما بسبب ما لا يعد من عمليات التحسين المتواصلة. 
وخلال الأسابيع المقبلة، سيرغب العلماءُ في معرفة ما إن كان نجاح مركز «إن آي إف» معجزةً تحدث مرةً واحدةً، أم يمكن إعادة إنتاجها على نحو موثوق. غير أن لدينا الآن مجتمعاً دولياً نشطاً من الباحثين والمهندسين والمستثمرين الذين يدفعون بتكنولوجيا الاندماج النووي إلى الأمام. 
وخلاصة القول، هي أن الاستثمار في الاندماج النووي الآن لن يجعل العقود القليلة المقبلة بمنأى عن الأزمات المناخية المتسارعة، غير أنه بعد كل الضرر الذي تسبب فيه تفكيرنا محدود الأفق للكوكب، دعونا نفكر في ما بعد 2050 ولنُظهر لأطفالنا أننا مهتمون بمستقبلهم. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2022/12/16/opinion/fusion-climate-change-clean-energy.html