هتلر والقنبلة النووية
ماذا لو أن أدولف هتلر كان قد تمكن من صناعة القنبلة النووية؟ وماذا لو أن القوات النازية كانت قد امتلكت السلاح النووي قبل الولايات المتحدة وروسيا؟ وأي عالَم كنا نعيشه اليوم؟
هذه الأسئلة الافتراضية كان يمكن أن تكون واقعية لولا أن شروطها لم تتحقق.
في عام 1940 احتلت القواتُ النازية النرويجَ وأقامت هناك مصنعاً سرياً لإنتاج «الماء الثقيل»، وهو المادة الأساسية لصناعة القنبلة النووية. وكان العلماء الألمان يعرفون المعادلات العلمية لصناعة القنبلة، وكل ما كانوا بحاجة إليه هو إنتاجها ابتداء بالماء الثقيل.
عَرفَتْ المخابرات البريطانية بالأمر، وأرسلت في عام 1942 فريقاً من «الانتحاريين» (35 رجلاً) لتدمير المصنع الألماني. لقد فشلت العملية، وقُتل جميع أفراد الفريق. وفي العام التالي أُرسل فريقان للقيام بالمهمة ذاتها، وكانا يتألفان من عشرة رجال فقط، وكان يترأسهم عقيد في الجيش النرويجي يعرف تضاريس المنطقة معرفة جيدة. تمكن أفراد الفريقين من الوصول إلى المصنع السري. وزرعوا الألغام في المفاعل النووي. وكان عليهم أن يغادروا المكان خلال 30 ثانية فقط قبل الانفجار. نجحت العملية، وانفجر المفاعل وسال على الأرض الماء الثقيل الذي كان قد تم إنتاجه وتلاشى في المجاري وذاب في الثلج الذي كان يغطي المنطقة.
أمر هتلر بنقل المفاعل إلى ألمانيا.. وبالفعل حملت سفينةُ شحن نرويجية المعدات والمواد المتبقية عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا.. لكن طائرات الحلفاء كانت لها بالمرصاد، فأغرقتها بكل حمولتها. كان ذلك في مطلع عام 1944. وبغرق السفينة، غرقت أحلام هتلر بإنتاج القنبلة النووية. وخسر تالياً مراهناته على تغيير المعادلات السياسية بالقوة العسكرية. وهو ما فعلته الولايات المتحدة بعد ذلك من خلال قصف اليابان بالقنابل النووية. وبذلك استطاع ترومان أن يفرض على ستالين في يالطا شروطَه لاقتسام مغانم الحرب. حتى أن تشرشل، كما يذكر هو نفسه في مذكراته، فوجئ باللهجة العالية التي كان ترومان يخاطب بها ستالين.. إلى أن عرف السبب بعد ذلك من خلال مشاهد الدمار في هيروشيما وناجازاكي.
كان هتلر في عام 1944 قاب قوسين أو أدنى من إنتاج القنبلة النووية، إلا أن العملية الفدائية التي قام بها فريق الانتحاريين حالت دون ذلك. وقد قام 2800 جندي ألماني بمطاردة الانتحاريين دون جدوى، إذ سلكوا بزلاجاتهم طُرقَ الغابات الكثيفة المنتشرة بين النرويج والسويد. ومن هناك نُقلوا إلى قرية نائية في شمال البلاد تكاد لا تشرق عليها الشمس.
استطاع ستة رجال فقط تغيير تاريخ الإنسانية. وكان على رأسهم العقيد النرويجي جواشيم روننبرغ الذي توفي في مثل هذا التاريخ من أكتوبر عام 2018 عن عمر جاوز التسعين. والغريب في الأمر أنه عندما سُئل عن الدوافع التي حملته على الاستجابة لأداء تلك المغامرة الخطيرة، لم يتوقف في إجابته أمام خطر امتلاك هتلر القنبلة النووية، لكنه حصر الاستجابة في أمر واحد هو مقاومة الاحتلال الألماني النازي لبلاده (النرويج) والتصدي للغطرسة المتوحشة التي أبداها الجنود الألمان تجاه أهالي البلاد.. بمن فيهم العسكريون النرويجيون. كان الهدف من المغامرة الخطيرة هدفاً وطنياً. ومع ذلك اعتبُر روننبرغ بطلاً إنسانياً وليس بطلاً قومياً فقط. وحصل على شهادات وميداليات تقديرية من معظم العالَم، لكنه لم يُمنح جائزة نوبل للسلام التي تقدمها دولة النرويج ذاتها. كل ما حصل عليه هو تمثال له بإحدى الساحات العامة في العاصمة أوسلو.
ومع ذلك، وكما صنع النازيون أثناء احتلال فرنسا من الجنرال بيتان عميلاً لهم (في حكومة فيشي)، كذلك صنعوا من «فيدكون كويسلينغ» عميلاً لهم في النرويج. وكانت كراهية ذلك العميل حافزاً آخر لقيام روننبرغ بمغامرته التاريخية التي أجهضت حركة كويسلينغ وحرمت هتلر من القنبلة النووية وغيّرت نتائجَ الحرب العالمية الثانية.. وغيّرت تالياً مسيرة تاريخ العالم الحديث.
كاتب لبناني