أزمة اللاجئين.. اختبار لقيم الغرب
في الأسبوع التالي لانطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فر أكثر من مليون شخص من البلاد. وامتدت طوابير اللاجئين على الحدود بين أوكرانيا وبولندا لأميالٍ. وشهدنا أطفالا يبكون في البرد القارص أثناء أوقات انتظار دامت لنحو 60 ساعة. وتتوقع الأمم المتحدة أن يتبع هؤلاء اللاجؤون ملايين آخرون مما قد يؤدي إلى «أكبر أزمة لاجئين في هذا القرن». وأثناء بحث الأوكرانيين عن ملاذ آمن، تلقوا -لحسن الحظ- تدفقاً استثنائياً من الدعم من المجتمع الدولي. وأرسلت وكالة الأمم المتحدة للاجئين ولجنة الإنقاذ الدولية ومنظماتٌ أخرى فِرق طوارئ وموارد. وخرج الناس في العديد من أنحاء العالم وقدّموا تبرعات للمنظمات التي تقدم مساعدات مباشرة للشعب الأوكراني. وتعهدت الولايات المتحدة بتقديم 54 مليون دولار كمساعدات إنسانية للاجئين الأوكرانيين، ويبحث الكونجرس الأميركي تقديم 2.9 مليار دولار إضافي مع تصاعد الموقف.
وهذه الجهود مهمة، لكنها تلفت الانتباه أيضاً إلى البنية التحتية غير الملائمة في بلدنا لمساعدة اللاجئين من أوكرانيا وغيرها. وبدلا من الترحيب باللاجئين بأذرع مفتوحة، تبقيهم الجهود الأميركية الحالية على مسافة معينة. صحيح أن الولايات المتحدة قدمت الدعم لمساعدة بلدان أخرى في الترحيب باللاجئين الأوكرانيين، لكن الحد الأقصى السنوي لعدد اللاجئين لدينا مازال عند 125 ألفاً فقط. والأسوأ من هذا أن الولايات المتحدة لم توطن إلا نحو 4400 لاجئ فقط في يناير الماضي، في مستوى أقل بكثير من الحد الأقصى السنوي في عهد ترامب البالغ 15 ألف لاجئ. وسجل الولايات المتحدة تجاه أزمات اللاجئين في الآونة الأخيرة غير مشرف. ففي هايتي، وعلى مدار بضعة أشهر فحسب، فر عشرات الآلاف من زلازل مدمرة وعواصف استوائية قاتلة ومناخ سياسي مضطرب عقب اغتيال رئيس البلاد. وبدلا من الترحيب بهؤلاء المهاجرين، طاردتهم الولايات المتحدة على الحدود بالخيول وأعادت آلاف منهم إلى ظروف غير آمنة.
وفي نيجيريا، أدى الصراع مع «بوكو حرام» إلى نزوح نحو ثلاثة ملايين شخص على مدار الإثني عشر عاماً الماضية، مع ما صاحب ذلك من تعرّض الكثيرين للتشرد والمرض وسوء التغذية. ولم تجد الولايات المتحدة بأساً في تقديم الدعم العسكري للجيش النيجيري ودعمه في مكافحة إرهاب «بوكو حرام»، لكنها لم تقدم حتى وضع الحماية المؤقتة للأشخاص الذين عرّضتهم الجماعة الإرهابية للخطر. وفي سوريا، تمخضت الحرب المستمرة هناك عن أكبر أزمة لاجئين في القرن الحادي والعشرين حتى الآن. وبعد زيادة لفترة قصيرة في عدد المقبول دخولهم من السوريين إلى الولايات المتحدة في أواخر عهد إدارة أوباما، انخفض مرة أخرى عدد اللاجئين السوريين المسموح بدخولهم إلى المئات. وفي أفغانستان، جاءت أزمة اللاجئين نتيجة لتصرفات الولايات المتحدة إلى حد كبير. فبعد شن الحرب على أراضيهم لمدة 20 عاماً، خصص زعماؤنا 13.3 مليار دولار لإعادة توطين اللاجئين الأفغان، وهذا المبلغ لا يمثل إلا 0.6% من 2.3 تريليون دولار أنفقناها على الحرب إجمالا.
والواقع أن هيكلة كثير من المؤسسات الأميركية تساعد في شن الحرب وليس تعزيز السلام. ويبدد زعماؤنا تريليونات الدولارات لفرض إرادة أميركا على العالم. ولاحقاً، يتنازعون حول الجزء الضئيل من هذه الأموال الذي يجب إنفاقه لمساعدة أولئك الذين وقعوا في حبائل تداعيات فرض السيطرة تلك.
ومن المقرر أن تتسبب أزمة تغير المناخ المتصاعدة في موجة من اللاجئين لا تشبه أي شيء شهده العالَم من قبل. وأشار تقرير للبنك الدولي إلى أن العقود الثلاثة القادمة قد تشهد نزوح ما يصل إلى 200 مليون شخص. لكن ديفيد ميليباند، الرئيس والمدير التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية، يذكّرنا بأن أزمة اللاجئين «يمكن إدارتها وأنها ليست مستعصية على الحل». ونحن نعرف ما يجب القيام به؛ إذ يتحتم علينا استقبال اللاجئين ومساعدتهم في الحصول على عمل، ومساعدة أطفالهم في الحصول على تعليم، كما يجب علينا دعم العائلات لتبدأ حياةً جديدةً في مكان جديد.
ويدّعي البعض أن مكارم الأخلاق الأساسية تلك تشكل تهديدات أمنية، فضلا عن كونها باهظة الكلفة. لكن التعاملَ غير الملائم مع اللاجئين هو ما قد يشكل بالفعل مخاطر حقيقية. فرفض تقديم المساعدة، وجعل حشود اليائسين لا يجدون ما يخسرونه، سيثير غضب بعضهم من أولئك الذين ساهموا في تدميرهم، وهذا يخلق مخاطره الخاصة. وبالنسبة للثمن، فقد بلغ الإنفاق العسكري الأميركي أعلى مستوياته التاريخية في وقت السلم حتى أصبح أكثر من 12 ضعفاً لما تنفقه روسيا على جيشها. فلماذا دائماً تجد الولايات المتحدة المالَ للتدخل في الشؤون العالمية، لكنها لا تساعد أبداً في القضاء على الفوضى الناتجة عن ذلك؟ من الأفضل أن نبدأ في حساب الكلفة البشرية لتدخلاتنا قبل القيام بها. وعواقب أفعالنا ستصل حتماً إلى شواطئنا، بطريقة أو بأخرى. وإذا أردنا دفاعاً فعالا ضد هذا النوع من العنف الدائر في أوكرانيا الآن، فعلينا أيضا أن نطبق ما نمثله من قيم، وهو حق الجميع في العيش في سلام. وكما يقول ميليباند عن أزمة اللاجئين: «هذه ليست مجرد أزمة، إنها اختبار لإنسانيتنا. واختبار لنا في العالم الغربي، اختبار لهويتنا ولما نمثله من قيم».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»