أميركا ومزيد من الدبلوماسية مع الصين
يُعد التعامل مع الصين أولى أولويات الرئيس جو بايدن في السياسة الخارجية. وتدعو الولايات المتحدة إلى تسوية سلمية للنزاعات في بحر الصين الجنوبي، وتلح على حرية المرور من دون عراقيل عبر مياهها، ولكن بكين تقول، إن على الولايات المتحدة ألا تتدخل في هذا الموضوع. وتعتقد واشنطن أن المنطقة، التي يعبرها ثلث سفن الشحن العالمية، ينبغي أن تظل مفتوحة في وجه حركة النقل البحري وتشعر بالقلق بشأن تحصين الصين لبعض الجزر. «مبادرة الحزام والطريق» الصينية الشهيرة تُعد مبعث قلق آخر لأميركا. فمنذ 2013، تواصلت بكين مع قرابة سبعين بلداً في آسيا وأفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط وعرضت عليها المساعدة في إنشاء البنية التحتية المحلية.
وينظر بعض الأميركيين إلى هذه المبادرة على أنها محاولة لإقامة قواعد في الخارج وتأمين حلفاء سياسيين. غير أن هذه الجهود لا تشبه في الحقيقة جهود الاتحاد السوفييتي العالمية إبان الحرب الباردة، والتي شملت السيطرة السياسية والعسكرية المباشرة على بلدان أخرى. ويبدو أن لـ«المبادرة» أهدافاً تجارية خالصة، لم يتحقق العديد منها.
ولعل الشيء الغائب في هذا النقاش الأميركي حول طموحات الصين السياسية العالمية هو مناقشة المنافسة التي يبدو أن الرئيس شي يتحدث عنها عندما يقول متباهياً إن «الشرق صاعد بينما الغرب آخذ في التراجع». فهو لا يشير إلى قوة الصين العسكرية وإنما إلى إنجازاتها الاقتصادية التي يعتقد أنها نتيجة مباشرة لهيمنة الحكومة التي يتزعمها الحزب الشيوعي الصيني والنظام السياسي والاقتصادي الصيني الخاضع للتقنين إلى حد كبير.
الأميركيون يختلفون مع هذه المقولة، إذ يعتقدون أن اقتصاداً رأسمالياً مملوكاً للخواص، ومدعوماً بالحرية لرواد الأعمال من أجل الابتكار والتنافس، هو نموذج أكثر نجاحاً. وعوضاً عن التركيز على مواجهة عسكرية ممكنة، ينبغي للرئيس بايدن أن يصوغ النقاش باعتباره منافسة بين مقاربة يهيمن عليها الحزب الشيوعي وفلسفة السوق الحرة، موضحاً كل مزايا هذه الأخيرة. ولكن بدلاً من ذلك، ركز بايدن على الديمقراطية. ففي ديسمبر الماضي، استضاف «قمة من أجل الديمقراطية»، فدعا 110 بلدان للانضمام إليه في الحديث عن الترويج للديمقراطية.
ولكن وفق مؤسسة «فريدم هاوس» الأميركية، فإن 30 في المائة من البلدان المدعوة لم تكن دولاً ديمقراطية بشكل كامل. كما أنه من غير المرجح أن يكون نجح في إقناع أي حكومة غير ديمقراطية بالتغير، بل ربما استعدى بعضها وحسب. والحال أن الأمر كان سيكون منطقياً أكثر لو استضاف مؤتمراً يركز على القضايا الاقتصادية قصد مناقشة سبل تحسين النماذج الاقتصادية التي تفيد الناس أكثر.
وبالمثل، فإن تركيز إدارة بايدن المبكر على حقوق الإنسان في التعامل مع الصين ربما له فوائد محدودة للمصالح الأميركية. ولأن موضوع حقوق الإنسان موضوع حساس بالنسبة للأميركيين، فإن بايدن يشعر بأنه مضطر للتطرق لهذا الموضوع، ولكن إلقاء اللوم على بكين علانية من المستبعد أن يسفر عن نتيجة. وربما المقاربة الأكثر حكمة لهذا الموضوع ربما تتمثل في استخدام الحوارات الدبلوماسية وعلى كل حال، فإن فهماً أفضل لدوافع الصين وطموحاتها، واستخداما أكبر للدبلوماسية والتعامل المباشر بدلاً من المواجهة، سيخدمان المصالح الأميركية بشكل أحسن.
دبلوماسي أميركي سابق