الأمن الاقتصادي
العلاقة بين الأمن والاقتصاد، هي علاقة حتمية شمولية تكاملية، وعلاقة طردية في ذات الوقت، أي كلما ارتفعت نسبة الشعور بالطمأنينة والأمن كلما ساهم ذلك بالنمو الاقتصادي، ويمكن قياس نسبة الأمن في أنواع الأمن المختلفة، السياسية والاجتماعية والصحية والبيئية والغذائية وغيرها، وكذلك على المستويات المختلفة، الفردية والمحلية والإقليمية والدولية. وتتركز معظمها في الأمن الاجتماعي الداخلي، الذي يعدّ «مربط الفرس» كما يقولون.
التعريف البسيط للأمن الاقتصادي له صبغة اجتماعية على المستوى الفردي فيرى العلماء أن الأمن الاقتصادي هو مجموعة من التدابير والضمان والحماية التي تؤهل الفرد للحصول على احتياجاته الأساسية من مأكل وملبس ومسكن وعلاج، أي أن يمتلك المرء وسائل مادية تمكنه من العيش حياة مستقرة وآمنة، أما على المستوى الجماعي، أو المجتمعي، فإن الأمن الاقتصادي هو تحقيق حماية حقوق الجماعات المختلفة في المجتمع وتوفير القوانين والتشريعات الناظمة القادرة على رعاية وخدمة جميع مصالح أفراد المجتمع وتسهيل مهمتهم في إنجاز الأعمال ومعاقبة من يحاول عرقلتها بأي صورة كانت.
في كتابه «الدافعية والشخصية» عام 1954، يركز أبراهام ماسلو على الحاجات الأساسية للإنسان فيضعها في هرم تبدأ من الأسفل إلى الأعلى، حيث يرى أن الإنسان يبدأ بإشباع حاجاته الطبيعية ثم حاجاته الأمنية ثم حاجاته النفسية ثم يتم تحقيق الذات، لذلك رأى «فردريك هرزبرغ» أن حاجات الإنسان الأساسية هي الماء والهواء والغذاء وأن نقصها أو نقص أي منها يتسبب في عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع الإنساني، إضافة إلى ذلك فإن تأثير توفر التعليم والرعاية الصحية وبيئة عمل مناسبة وسياسات رعاية اجتماعية ملائمة كلها تساعد على توفير الأمن الاقتصادي.
بصورة أوضح، فإن الأمن الاقتصادي مرتبط بتوفير السلام الاجتماعي، على الصعيد الداخلي، من خلال تحقيق التناغم بين مكونات المجتمع، وهذا شرط أساسي، حيث إن تحقيق التمازج الثقافي والاجتماعي، سواء عن طريق قبول التعدد الثقافي، أو عدم السماح لهيمنة فئة طائفية على أخرى، سيقود حتماً إلى الأمن الاقتصادي، ولدينا أمثلة كثيرة منها ما يحدث في لبنان من غياب للسلام الاجتماعي بسبب هيمنة «حزب الله» على القرار السياسي والاجتماعي والذي أدى إلى تدهور الأمن الاقتصادي اللبناني، وهو الأمر نفسه في اليمن، بمحاولة نسخ «الحوثية» لتجربة حزب الله والسيطرة على العاصمة صنعاء وشن حرب شعواء على المكونات الاجتماعية في جنوب وشمال اليمن، والذي أدى بالإضافة إلى الخسائر البشرية، إلى ضياع السلم الاجتماعي وتدهور الاقتصاد.
كما أن توفير السلام الاجتماعي يؤدي إلى الأمن الاقتصادي، كذلك فحسب تقارير منظمة العمل الدولية، فإن أثر الأمن الاقتصادي كبير في تدعيم السلام الاجتماعي وتعزيز السعادة والرفاه الشخصي وكذلك تعزيز التنمية المستدامة، حيث يرى التقرير أن الإنفاق الحكومي على الضمان الاجتماعي يؤثر إيجابياً في التنمية المستدامة ويدعم الاستقرار الاجتماعي ويرفع معدلات الرضى عن الحياة والسعادة، حيث إن العامل الأكثر أهمية لا يرتبط بمستوى الدخل، بل بمدى وجود دخول آمنة تقاس بحماية الدخل والدرجات المتدنية للتفاوت في الدخول، كذلك مرتبط بمدى رفع مستوى المهارات التي تُقاس بمؤشرات التعليم والتدريب والتي توفر درجة عالية من الأمن الاقتصادي.
تلعب التداعيات والمتغيرات دوراً كبيراً في الأمن الاقتصادي، فمنذ العام 2008، حين ظهرت الأزمة المالية العالمية، وكذلك خلال العامين الأخيرين، حين ظهر فيروس كورونا، فإن الأمن الاقتصادي، لدول العالم أجمع، قد تأثر وتضرر بصورة شديدة، وقليلة هي الدول، التي استطاعت النجاة، مرتين متتاليتين، حيث لا يمكن التكهن بتلك التداعيات والمتغيرات الطارئة. وليس هناك خطط معدّة سلفا لمواجهتها، ومثال ذلك أيضاً، ما حدث في دول عربية اجتاحها ما يسمى بالربيع العربي، فنجا بعضها، مثل مصر وتونس، وما زال بعضها كسوريا وليبيا واليمن يرزح تحت وطأة تدهور الأمن الاقتصادي، وغياب السلام الاجتماعي.
كانت دولة الإمارات، من أولى الدول التي وقفت على قدميها، بهمة عالية، بعد الأزمة المالية العالمية، وكانت ساحة للأمن والاستقرار والسلام الاجتماعي، يُشار إليها بالبنان، طوال عشر سنوات من الربيع العربي حولها، أما في أزمة كورونا، فقد تمكنت بفضل رؤية القيادة الحكيمة، أن تكون أول دول العالم بالتعافي وعودة الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى أفضل من سابق عهدها، حيث لا ينسى أحد، يوم قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، كلمة واحدة، بثقة ليس لها حدود، أعادت الأمن الاقتصادي إلى أعلى درجاته، يوم قال«لا تشلون هم».
*لواء ركن طيار متقاعد