بداية يجب أن نتفق أن الدراما ليس بالضرورة سرداً للواقع أو انعكاساً لمثاليات المجتمع وعاداته وموروثاته، بل لا بأس أن تكون قصصاً من نسج الخيال بشرط أن تضبط بالحبكة الدرامية الجيدة والمقاربة الذكية للواقع أو جزء منه، ومن ثم اختيار الشخوص الدرامية المناسبة والإخراج المتمكن وقوة الإنتاج، ليخرج لنا عمل درامي متكامل يشد المشاهد من أول مشهد لآخر مشهد.
سباق رمضاني محموم بين القنوات العربية، خصوصاً الخليجية منها على المسلسلات الرمضانية سواء الدرامية منها أو الترفيهية، والمحك بلا شك هو رأي الجمهور أولا وأخيراً، فهو المسؤول عن انتشار العمل أو فشله، أما الناقد الفني فرأيه مهم لتقييم العمل، لكنه لن يؤثر بشكل أو بآخر على انتشار العمل، غير أنه بالطبع مسؤول عن صدق قلمه ووضع العمل الرديء تحت مقصلته لتلافي المثالب مستقبلاً.
ما نشاهده هذه الأيام من مسلسلات درامية خليجية هي في واقع الأمر أعمال لا ترتقي مطلقاً لذائقة المشاهد الخليجي.. لماذا؟ لأن المشاهد الخليجي لم يعد ذلك المشاهد البسيط الذي يقتنع بما كان سائداً في السابق وينتظر السباق الرمضاني لينتقل من مسلسل إلى آخر بمتعة عالية وذائقة أقل، بل أصبح يشاهد منصات الأعمال العالمية التي تُعرض عليها أقوى الأعمال وأجودها والمسلسلات العالمية بنجومها الكبار وسيناريوهاتها الآسرة التي ينتظر المتابع أجزاءها بفارغ الصبر غير آبه بواقعية القصة من عدمها.
فمثلاً مسلسل مثل walking dead والذي حصد ملايين المشاهدات حول العالم هو مسلسل خيالي (فانتازيا) يتحدث عن عودة الأموات وسيطرتهم على كوكب الأرض كمهدد طبيعي لمن تبقّى من الأحياء، ليتحول تدريجياً، ومن موسم لآخر، إلى رسالة إنسانية عظيمة تتلخص في أن الإنسان هو مكمن خراب الكوكب أو إعماره وأن المهدد الحقيقي للإنسان والأرض هو الإنسان ذاته!
ورغم كل هذه الفانتازية في النص فإنه مسلسل ناجح يتصدر أفضل المسلسلات إن لم يكن أفضلها على الإطلاق، ومن هنا أؤكد على رأيي السابق بأن الواقعية ليست ضرورة للنص كضرورة قوة حبكته واتكائه على المقومات الأخرى من كفاءة نجوم العمل وقوة إنتاجه.. وهذا ما نفتقر إليه في هذا الزخم الدرامي الذي نشاهده يومياً على شاشات التلفزة من الأعمال الخليجية. في الوقت ذاته وبينما تتراجع الدراما الخليجية وتنحدر بشكل مؤسف نلاحظ صعود الدراما المصرية بشكل كبير في أعمال رائدة وقوية مثل مسلسل الاختيار، وموسى، والقاهرة كابول، ونسل الأغراب.. وغيرها من الأعمال الرائعة التي جذبت المشاهد العربي بإنتاجها الضخم وحبكاتها الدرامية والأداء الرائع لنجوم هذه الأعمال، فضلاً عن صعود الأعمال الوطنية التي عكست ملاحم عسكرية وحربية وقصص بطولية واستخباراتية من ملفات الأمن والجيش المصري الذي ضرب أروع نماذج البطولة في حقب فائتة ولا يزال دفاعاً منيعاً ضد فلول الجماعات الإرهابية وما خلّفته الثورات العبثية من خراب.
ولن نتجاهل أيضاً الإعلانات التجارية على الشاشات المصرية والتي أصبحت لافتة بدورها الذي يجسد لوحات درامية رائعة وجزءاً لا يتجزأ من خريطة الأعمال الفنية في الدراما الرمضانية المصرية لجذب نجوم لامعين بسيناريوهات مختلفة أشبه بالنصوص التراجيدية، كحكاية النجمة الاستعراضية شريهان التي عادت للأضواء، من خلال إعلان تجاري شبيه باستعراضات فوازيرها في الثمانينيات، ويختزل نضالها مع المرض وتفوقها على المآسي التي مرت بها في دقائق معدودة! أخيراً.. يجب أن نعي جميعاً أن النقد الهادف والموضوعي هو وسيلتنا الوحيدة للارتقاء بأعمالنا الدرامية وجودتها خصوصاً في منطقة الخليج، أما حالات التنمر والهجوم على كل عمل بالإسقاطات الهزيلة والذرائع الواهية والتجريح للكوادر الفنية، فهذا لا يعدو كونه وسيلة هدم ودفن للفن الخليجي برمته، وقد يكون تصفية حسابات مقيتة كما حدث مع مسلسل العاصوف في الأعوام الماضية وحالة التنمر المستعرة التي تعرض لها نجوم المسلسل ومخرجه وكادر العمل بأكمله، حتى كاتبه الأستاذ عبدالرحمن الوابلي يرحمه الله لم يسلم من سياط هجومهم وتجريحهم، علماً بأنه عمل رائع وتوثيق جميل لحقب زمنية متتالية للمجتمع السعودي نقلته من البساطة والتسامح إلى سطوة الصحوة والتشدد.
*كاتبة سعودية