«العالِمُ وحده الشاعر الحقيقي، إنه يعطينا القمر، ويعدنا بالنجوم، ويعطينا كوناً جديداً، إذا اقتضت الحاجة».. قال ذلك الشاعر الأميركي «إلين غينسبرغ» في «القصيدة الصاروخ». والعالَم يتطلع اليوم إلى العالِم الذي يعطينا حياتَنا. وتتضافر الجهود لإنتاج سلسلة لقاحات ضد «كوفيد-19» في غضون دقائق، أو حتى ثوان، لخوض حروب عصابات ضد نسخ تتوالد من طفرات الفيروس الفتاك «كوفيد-19» من الصين إلي بريطانيا والبرازيل وجنوب أفريقيا.. واللقاحات التي أنتجت قضت على بعض أنواع «كوفيد-19»، والثمن المدفوع لذلك أكثر من مليوني وفاة، ومائة مليون إصابة، والعدّ مستمر، والعالم يحتاج إلى أكثر من سنة لتأمين حاجته من اللقاح، فيما تندلع جائحات «كوفيد-19» جديدة.
وقد تتكرر مأساة كورونا التي بدأت في ستينيات القرن الماضي على شكل نزلات برد، ولم يتركز اهتمام العلماء المختصين إلا على وباء «سارس -كوفيد» عام 2002، والذي أدى إلى إصابات حادة بالالتهاب الرئوي، وتدافع المختصون لتطوير لقاح ضده. وكان على العلماء تخطّي والعثور على بروتين المناعة في سطح الفيروس، ويُدعى «المخرز»، وهو مضاد جيني يلتصق بسطح الفيروس، ويحول دون اقتحام «فيروس كورونا» الخلايا ويمنع العدوى. ويعمل العلماء حالياً على تطوير لقاح واحد قادر على القضاء على جميع أنواع «كوفيد-19»، وعلى نزلات البرد، والحيلولة دون اندلاع جوائح جديدة. وكما حدث مع تكنولوجيات غيّرت العالم، فالعقل الاصطناعي، والحوسبة الكمية، مدعوة إلى مغادرة المختبرات إلى ميادين القتال. ويتميز الحاسوب الكمي عن التقليدي، بأن وحدة قياسه «الكيوبيتات» وليس «البتات» التي أحدثت الثورة المعلوماتية المستمرة حتى الآن. ونحتاج إلى خيال عظيم لتصور ما ستحدثه الكيوبيتات.
ويعمل في الكيوبيتات الباحث العربي الشاب حسن نايفه، الذي يطور الجسيمات الأولية في مُعجل الكومبيوتر، في IBM (عملاق صناعات تكنولوجيا الكومبيوتر). وأوضح نايفه في رسالة على المسينجر، أن عمله وفريقه في بناء معجلات كوانتومية يعتمد على رياضيات الجسيمات الأولية لتوسيع قدراتنا الحوسبية لتشغيل دوائر كوانتومية. وقال: «نحن نقدم المعطيات باستخدام ذرات اصطناعية تُدعى الكيوبيتات المتحولة، يتم ربطها والسيطرة عليها بسلسلة نبضات مايكروية. لكن سرعان ما تنسى الكيوبيتات أوضاعها الكوانتومية عند تفاعلها مع العالم الخارجي. والتحدي الأساسي الذي يواجهه فريقنا حالياً هو معرفة كيف نتحكم بالأنظمة الكبرى لفترة كافية، وبالقليل من الأخطاء لتشغيل الدوائر الكوانتومية المعقدة القادرة على توليد اكتشافات جديدة في علوم الطب، والحفاظ على الحياة، وصنع آلات التعلم، وتشخيص الأمراض بسرعة، وصنع مواد لبناء معدات أكثر مهارة، ووضع استراتيجيات مالية، للعيش بشكل جيد، ولإصلاح أنظمة التقاعد، وإطلاق خوارزميات لتوجيه سيارات الإسعاف».
ويوضح العالم السعودي محمد إبراهيم السويل: «الموضوع ببساطة يكمن في بحث قواعد البيانات الكبيرة للطب، والأدوية، ومواصفات الفيروسات، ومطابقة هذه المعلومات مع العلاجات المحتملة». وذكر السويل، المختص بالاتصالات وتقنية المعلومات، أن الحواسيب الكوانتومية مبرمجة بشكل مناسب، ويتلاءم مع العقل الصناعي، وأن تقنيات الذكاء الصناعي تقدّم نتائج جيدة. والحواسيب الكوانتومية أسرع بشكل هائل من السوبر كومبيوتر، وعندما تطلق بشكل كامل قادرة على إنجاز عمل أفضل بكثير. وفيما يخص بلده السعودية تحديداً، قال السويل: «تم تطوير لقاح كوروني في جامعة الإمام عبد الرحمن في الدمام من قبل الباحثة السعودية إيمان المنصور وفريقها، وحسب علمي لم يستخدموا الذكاء الصناعي، وبدأت بالفعل مراحل اختبار هذا اللقاح».
وحسن نايفه جيل جديد من أسرة نايفة، أصولها من قرية «شويكة» في فلسطين التي أنجبت علماء معروفين عالمياً، بينهم والده منير نايفه، من مؤسسي علوم «النانو تكنولوجي» التي تعمل على مستوى النانو، والذي يعادل واحداً من المليار من المتر، والمقارنة بين نايفة الأب ونايفة الابن كالمقارنة بين نقاط النانو، وهي العمود الفقري في المختبر، والكيوبيت وهو آلة الزمان القادم.
*مستشار في العلوم والتكنولوجيا