أحلام لا أكثر
لا يتوقف الإنسان عن الحلم طوال حياته، أحلام النوم أو الرؤيا مسألة عصية على التفسير، حار علماء النفس والأطباء وأهل التفاسير في تفسير حدوثها: كيف تحدث، لماذا تحدث وأين يقع الحلم؟ هناك من يقول إن الحلم حديث نفس وتفريغ للشحنات المتفاقمة من الضغوط والصراعات التي تعترض الإنسان خلال يومه وظروف حياته، وهناك من يحيل الحلم، جملة وتفصيلاً، للتفسير المادي المرتكز على القضية الجنسية لا غير، كما فعل فرويد ومن سار على دربه، وهناك من يموضع الحلم في الممر اللا مرئي ما بين الوعي واللا وعي، حيث تتحدد معظم تصرفات ومسلكيات الإنسان، فكل حلم ينتهز فرصة غياب صاحبه في لجة النوم، ليخرج مطمئناً كمطارد يجوس في الطرقات الخلفية حين تهجع المدينة وتستسلم لسلام النوم وغياب الحراس.
نحن نحلم إذاً آناء الليل وأطراف النهار، وأحياناً نحلم في الحلم نفسه، فهناك من الأشخاص إذا قص عليك حلمه “تلخبطت” الخيوط وصار الحلم فيلماً هندياً غير معقول أو لوحة من لوحات فناني مدرسة ما بعد الحداثة، على الرغم من ذلك، فالحلم لازم وملازم، وما من أحد لا يحلم، وحتى الذين يحلمون بشكل نادر أو لا يحلمون، يشعرون أنهم غريبو الأطوار، وكأننا خلقنا لنحلم، فمن كان حالماً فليبتهج، لأن الحلم شيء يشبه مضادات الاكتئاب أو المضادات الحيوية لميكروبات الضغوط والتعاسة والحزن.
سألت صديقة ستحتفل بعيد ميلادها الثلاثين عما قريب عن حلم توده أن يتحقق، فأجابت دون تفكير: أريد أن أجد عملاً لأنني تعبت من مراكمة الأحلام، امتلأت نهاراتي والليالي بها، فما عاد لدي متسع لحلم آخر، ابتسمت حتى لا أضاعف ألمها وارتفعت بحلمها، فسألت وبعد أن تجدي عملاً، بماذا ستحلمين؟ قالت بسخرية مرة: أخشى ألا يتأخر الوقت كي لا أبدأ في حلم التقاعد!! كان ذلك حديثاً من نوع السخرية المرة لا أكثر.
بعيداً عن يوم ميلادي، سأحلم بأن أصحو يوماً لأجد كل الذين يكتبون في صحف الإمارات (على الأقل أغلبهم) شباباً إماراتيين، وكل الذين يقدمون برامجها إماراتيين (أغلبهم على الأقل)، وكل الذين يديرون إعلامها إماراتيين، وكل الذين يتحدثون باسمها ويمثلونها على منصات العالم إماراتيين (كلهم بلا استثناء)، وكل الذين يعيشون على أرضها يتحدثون العربية أولاً، والعربية أخيراً (وليتحدثوا في بيوتهم بأي لغة يشاؤون)، وهنا أحلم بأن لا ينظر لحلمي المشروع هذا بأنه عنصرية أو شوفينية أو أي من هذه الكلمات الجوفاء، فهذا من قبيل الرؤيا الحق إن شئتم.
سأحلم وأنا من أكثر المتفائلين والمؤيدين لمواقع التواصل الاجتماعي التي يرتادها شباب اليوم وحتى غير الشباب، أن يتمكن هذا الجمع العظيم في هذا العالم الافتراضي من أن يجد لغة أفضل وأكثر رقياً من اللغة السائدة في معظم الحوارات الحالية، حيث لن تقودنا لغة التشكيك والنبش في النوايا لأية وجهة، سوى إلى الهاوية، نحن نتعامل مع إعلام لا محدود من أول الأرض إلى آخر الفضاء، جئنا إليه كمستجير من الرمضاء فحولناه إلى نار صراعات متشنجة لا تصل غالباً إلى نتيجة، ما ضرنا لو فعلنا شيئاً أفضل، بدلاً من أن نراكم فيه لوثات اللاوعي التي تزدحم في دواخلنا.
ayya-222@hotmail.com