الإمارات الملهمة
تستحق دولة الإمارات العربية المتحدة، بما حققته من قصص نجاح في مختلف مجالات التنمية الإنسانية، شرف أن تكون «الدولة الملهمة» في العالم مثلما وصفها بذلك سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، في القمة الحكومية السادسة يوم الأحد الماضي، وذلك لعدة أسباب؛ أن «همها» الوحيد الذي انتظمت عليه طوال قرابة نصف قرن وحرصت من أجله كان دورها في التنمية المستدامة والشاملة لكل مجالات الحياة، حتى أصبحت لها فلسفتها في البناء والتعمير رسمها لها مؤسسها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي نحتفل بمئويته هذا العام.
ولأن دولة الإمارات تتواجد في كل مشهد تنموي يعمل على إسعاد الإنسان في أي مكان في العالم، ويوفر له العيش الكريم، فقد أصبحت سياستها ضميراً إنسانياً عالمياً، لذلك نجد أن كل مساعي قيادة دولة الإمارات نحو خدمة الإنسانية، وقد وظفت جزءاً لا يستهان به من ثوراتها الوطنية وطاقات شعبها لخدمة هذه القضية، حتى أصبحت اليوم تقدم رسالة للعالم كله حول أهمية التركيز على مصلحة الشعوب، بحيث إذا جاء الحديث عن التنمية والإنسانية أصبح من السهل أن يحضر اسم الإمارات.
على كل من يراقب السيرة التاريخية لدولة الإمارات أن يدرك المؤشر التصاعدي في المجالات التنموية، حتى باتت في أغلب الأحيان بموازاة الدول المتقدمة إن لم تتصدرها في بعضها. اليوم هي تملأ العالم حراكاً (من خلال استضافة المفكرين والإعلاميين والفلاسفة) في مجال استشراف المستقبل، وهي القضية الأساسية في العالم، إذ تشغل اهتمام المسؤولين وصناع القرار في العالم وتتطلب الاستعداد بكل وعي ممكن من خلال الوقوف على تفاصيل التغيرات القادمة، كي لا تكون كثير من دول العالم خارج التاريخ عندما تحصل تلك التغيرات والتي يبدو أنها لم تعد بعيدة.
وفي القمة الحكومية السادسة لم تقف دولة الإمارات كطرف مستمع، وإنما كانت مساهماً أساسياً في صناعة المستقبل، سواءً عن طريق مبادرات وطنية من خلال الاستعداد لمرحلة ما بعد تصدير آخر برميل للنفط، أو من خلال معرفة تفاصيل ما بات حديثاً دارجاً واعتيادياً حول الذكاء الاصطناعي والاستعداد لغزو الفضاء.
وكدولة ناهضة، تعكف الإمارات على إنجاز مشاريع كبرى كان البعض يظن أنها مقصورة على الدول العظمى فحسب، لكنها كسرت ذلك الاعتقاد وأصبحت تقدم للعالم تجربتها الخاصة.
التجربة التنموية لدولة الإمارات كشفت الستار عن نموذج لدولة هي جغرافياً في العالم الثالث، لكنها من حيث خدمة الإنسانية تنتمي إلى مصاف دول العالم المتقدم، فهي تضيف للمجتمع الدولي وتثريه بأفكارها المتنوعة، وقد صارت صديقة للباحثين عن إسعاد مواطنيهم، وقبل أن تكون كذلك كانت تصنع تجربتها الخاصة وفق الاستفادة من تجارب الآخرين، فحملت قضيتها التنموية ولم تتخل عنها أو تتأثر بأي تقلبات اقتصادية أو سياسية التي مرت بها المنطقة والعالم، ولم تقبل أبداً أن تساوم على نهجها في البناء، رغم أن البعض من - قاصري النظر- انتقدها عن سوء نية وحكم عليها بعدم الاستمرارية، لكن ظل اهتمام القيادة السياسية لدولة الإمارات، وفي كل المراحل، معنياً بانشغالات الإنسانية كلها في العالم، فكانت رهانها الأصدق والأنجح.
وفي تحليل هذه الظاهرة فإن مما يساعد على تفسير توجهاتها العالمية وجود إرادة سياسية جادة ومسؤولة تتبنى رؤية لا يمكن تغييرها وفق أهواء الأشخاص ولا تتغير بمجرد اصطدامها مع أي تحد أو صعوبة، وهو أمر تجده فقط لدى الدول التي نهضت في فترات معينة مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية. والعامل الآخر، وهو إماراتي بامتياز، فخلال مراحل نموها من السهل أن تجد أن الذي يضع الخطط الاستراتيجية لتنفيذ الرؤية السياسية هم من أهل التخصص، والدليل أنه ما تزال محاضرات ضيوف القمة الحكومية، وعلى رأسها «ميتشيو كاكو» عالم الفيزياء النظرية، ترن في آذاننا حول ما طرحه عن تأثيرات الذكاء الاصطناعي خلال المرحلة المقبلة.
والحقيقة أن الإمارات تستحق تحية خاصة من الرأي العام العربي على الخصوص والرأي العام العالمي على العموم، لأنها أتاحت للعرب أن يعيشوا لحظات نادرة مع مفكرين عالميين، وأثبتت أن العرب لا يقلون كفاءة عن غيرهم من شعوب العالم إن توفرت لهم حاضنة سياسية، وهي نقطة تكفي لأن تكون سيرة ملهمة لباقي الدول التي تصنف من العالم الثالث. أما الرأي العام العالمي فقد أثبتت له الإمارات أن الحضارات الإنسانية لا تقتصر على الغرب بل الشرق هو منبعها وأساسها، لكن بفعل فهم مختلف لدى البعض اعتقدوا أن هذه المنطقة لا تصدر للإنسانية سوى الإرهاب والتطرف.
الإمارات أصبحت اليوم بيئة جاذبة للمفكرين والفلاسفة والسياسيين، قبل المستثمرين والسياح الأجانب، بفضل استقرارها واهتمامها بالمستقبل، وكذلك بسبب كفاءتها السياسية والتنظيمية، وهذا عامل كاف لأن تكون نموذجاً ملهماً.