نظام هدفه الانتقام
دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية منحت لنظام «الحمدين» المساحة وحرية اختيار ما يراه مناسباً له من أفعال وسلوكيات تخريبية أصر عليها، بعدما لم تُفِد معه كل محاولات النصح والإرشاد، واتضح للجميع أن ما يقوم به هذا النظام لا يخدم المنطقة ولا يخدم دولة قطر وشعبها.. وهو الأمر الذي دفع بقيادة الدولتين إلى إغلاق صفحة النظام القطري بمقاطعته والانتباه إلى ما يحفظ الدولة الوطنية في العالم العربي ويعيد لها دورها، سواء في مصر أم البحرين، والآن في اليمن الذي يتصدى البلدان على أرضه حالياً للتدخلات الإيرانية في ذلك الجزء من العالم العربي.
خلال هذه الأيام نشهد محاولات «الحمدين» الالتفاف على التحالف الاستراتيجي الإماراتي السعودي من خلال اختلاق أحداث سياسية ومشكلات هي في الحقيقة من «وحي خيال» إعلامه وتلفيق معلومات غير صحيحة، وهي المهارة التي أتقنتها وسائله الإعلامية التي بدأت تنحسر وتتراجع بعدما بدأت تفقد مصداقيتها. وهنا لا بد من الاعتراف بأن التحالف السعودي الإماراتي قزّم نظام الحمدين وأنهكه ولم يترك أمامه إلا العمل على تفكيك نفسه.
قُدر للتحالف الإماراتي السعودي أن يثبت للدول الكبرى في العالم، قبل أن يقتنع نظام الحمدين متأخراً، أنه قادر على حشر هذا النظام ومغامراته السياسية في زاوية تجعله غير قادر على التفاعل الطبيعي مع العالم، كما قدر للتحالف أن يتركه يتحرك دون ممارسة ضغوط إضافية أو يمنع أحداً من التعامل معه، فوصلت الرسالة لكل من اختار التعامل مع هذا النظام بأن لكل ما يفعله من دعم للإرهاب والتطرف «ثمناً سياسياً» لا بد أن يدفعه، فتأكد لجميع دول العالم أنه لا بد من ترك هذا النظام وحيداً، وإلا فمن يتعامل معه سوف يناله من سوء سمعته.
والشيء الذي غاب عن «النخبة» السياسية في نظام الحكم في قطر، أن دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية تدركان أن ما يفعله الحمدان هو مجرد مشروع لبعض الدول الإقليمية والتنظيمات التي لها أجندتها السياسية في المنطقة، على اعتبار أن الدور القطري قبل مجيء الحمدين في عام 1995 كان متوافقاً مع السياسة الخليجية، وقد استمر الحال نسبياً على ذلك النحو، إلى أن بدأ ما يسمى «الربيع العربي» ثم جاءت لحظة القطيعة معه بعدما أصر على هدفه وهو أن لا تبقى للدول العربية قائمة، وذلك تطبيقاً لأهداف تنظيم «الإخوان المسلمين» الإرهابي ومعهم النظام الإيراني.
ويبدو من محاولاته أن الشيء الذي لم يدركه هذا النظام هو أن خط العلاقات التعاونية بين الإمارات والسعودية آخذ في الصعود من خلال توقيع الاتفاقيات المشتركة والتعاون والمناقشات وتبادل الآراء، حتى اتضح للمراقبين أن هناك مساندة متبادلة في المواقف الدولية، ما يعني أن العودة عن هذا التحالف لم تعد بالسهولة التي يعتقدها الحمدان.
ما يبحث عنه نظام الحمدين حالياً هو الخروج من الأزمة التي وضع نفسه فيها بعناده السياسي وكذلك الفكاك من الفخ الذي نصبه له النظامان التركي والإيراني، وهو فخ أقرب ما يقال عنه إنه أدى إلى وضعه في عزلة دولية، بسبب حالة القلق والرفض الدوليين لسياساتهما. وهكذا لم يكن الخروج عن الإجماع الخليجي من دون ثمن باهظ، لذا يلجأ نظام الحمدين إلى الأساليب الملتوية وغير المباشرة من خلال محاولة تشويه الحقائق.
النصيحة التي يمكن تقديمها لنظام الحكم في قطر هي الحذر من محاولات السعي إلى تعكير العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، إما وفق قاعدة «اتق غضبة الحليم إذا غضب»، أو وفق الرؤية الاستراتيجية الثنائية الهادفة إلى التضييق على الطموحات الإيرانية في المنطقة ومكافحة الإرهاب في العالم العرب. وهو توجه تدعمه العلاقات التاريخية التي أسستها قيادة البلدين ودعمتها خبرة التعامل مع مراوغات النظام القطري الحالي الذي لا يسعى للخير أبداً.
كما ينبغي أن يدرك نظام الحمدين أن ما بين الإمارات والسعودية ليس مصالح سياسية فقط -رغم أهمية هذه في العلاقات الدولية- وإنما هناك اعتبارات كثيرة تتداخل في هذه العلاقات التي فرضتها مصالح الجغرافيا السياسية ونتج عنه قرارهما بمواجهة الطموحات الإيرانية في المنطقة ووضع حد لسياسة دعم الفوضى والتطرف، لأن المصير الإقليمي بات مشتركاً والمسؤولية حياله مستشعرة من كلا البلدين، ما يعني وجود مصالح وعلاقات أعمق وأرسخ.
أختم بالقول إن النظام العربي مدين لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بالحفاظ على الحد الأدنى من تماسكه السياسي، ومدين لهما أيضاً بإفشال مخططات نظام الحمدين لتحقيق هدفه المتمثل في نشر الفوضى في المنطقة، لذا إذا كان له هدف واضح من مساعيه لتأزيم العلاقات بين الإمارات والسعودية، فإنه بالتأكيد سيكون الانتقام من التحالف الإماراتي السعودي لأنه تسبب له في خسائر كبيرة سياسياً ومالياً!