الغرب لا يريد تغييراً إيرانياً
اهتمام صانعي السياسة الخارجية في دول العالم المختلفة بالتطورات الداخلية في إيران، يعبر عن إدراكهم لإرهاصاتها على المنطقة وعلى رفع من حالة التوتر الأمني في العالم. فتحت عنوان «إيران المأزومة.. الأسباب والسياقات والمآلات»، خصص «مركز الإمارات للسياسات» ورشة عمله، التي عقدت قبل يومين، لدراسة ومناقشة التفاعلات التي آلت إليها الأوضاع والتي ستبقى مفتوحة لوقت ليس بالقصير، وربما هذا هو الهم الأول للعديد من المراكز البحثية ومراقبي السياسة الإيرانية.
لا سبيل لمعرفة الأسباب الحقيقية لعدم نجاح الاحتجاجات الأخيرة في إيران، رغم تشابه العوامل التي أدت إلى نجاح ثورة عام 1979 والتي لم تقتصر فقط على العامل الاقتصادي، وهذا فاجأ الكثر من الباحثين، خاصة الذين تفاءلوا هذه المرة بأن نتائج الحراك الداخلي ستكون مختلفة، لكنها لم تحدث جديداً سوى أنها زادت من عدد الذين يعانون اقتصادياً بعدما خسر الكثيرون استثماراتهم. النقاش لم ينحصر فقط في الحديث عن فشل الحراك، وإنما بين الباحثين في الشأن الإيراني أن السيطرة على ذلك الحراك لم تكن لها علاقة بقوة نظام الملالي وسطوته على الوضع الداخلي، الذي زادت قوته بعد أربع عقود، فهو نظام ضعيف، وإنما الأمر بكل بساطة يعود إلى أن العالم الغربي تحديداً لا يريد تغييراً إيرانياً.
الغرب لم يلق بثقله في دعم الحراك الإيراني المذكور، رغم أن الصورة كانت لديه وافيه عن أن هذا الحراك كان الأقوى والأكثر انتشاراً، خصوصاً أنه لأول مرة يتجاوز الخطوط الحمراء للنظام، في مؤشر له دلالة على الحالة الراهنة للمجتمع الإيراني كحالة توفر فرصة ممتازة لإنجاح عملية التغيير، إلا أنه فضل ترك الشعب الإيراني يواجه مصيره بنفسه، إلا بتغريدة أو تغريدات قليلة للرئيس الأميركي دونالد ترامب مثّلت طوق نجاة للنظام لتصوير الغاضبين باعتبارهم يخدمون أجندات خارجية. وقد أعطى ذلك التعاطي الغربي مؤشراً إضافياً (للمراقبين) على أن فريق الإدارة الأميركية غير منسجم إزاء ما يحدث في إيران.
الكل منحاز منذ فترة طويلة إلى الشعب الإيراني ومطالبه، والتي أوضحها في الآونة الأخيرة: «لا غزة ولا لبنان.. روحي فداء إيران»، إلى جانب مطالبته تحسين مستوى معيشته لأنه أحق بالثروات التي يدفعها هذا النظام للبقاء أطول فترة ممكنة في الحكم من خلال دعم ميليشيات تخريبية في الإقليم، ومع ذلك فلم يكن هناك أحد يعتقد بأن تغيير النظام يمثل هدفاً لأحد في الخارج، وإنما هو شأن الشعب الإيراني نفسه، وإن كان الجميع يتحدث عن ترشيد سلوكيات هذا النظام تجاه الإقليم والعالم، لأنه لا يمكن استبدال السيئ بالأسوأ، إذ النتيجة هي انفجار الوضع الإيراني المليء بالأزمات.
سلوك الغرب مع النظام الإيراني مؤخراً يؤكد أن هذا النظام يحقق للغرب مصالحه الاقتصادية، وهي العنصر الأهم مقارنة بباقي الأشياء؛ سواء كانت الحريات أم تحسين المستوى المعيشي، أم حتى الأهداف التي يسعى النظام لتحقيقيها إقليمياً، مثل التمدد في دول المنطقة، ربما لم يعد الغرب ينظر إليها على أنها تمثل تهديداً له، بما في ذلك الخشونة التي يستخدمها ودعمه لميليشيات مقلقة للكثيرين.
تجربة «الربيع العربي» ومآسيها، ربما دفعت بالغرب نحو تركيز التعامل مع الأنظمة والحكومات القائمة، بغض النظر عما يحصل منها داخلياً وإقليمياً، وذلك مخافة تداعيات عدم وجود أنظمة، كما حدث في العراق وسوريا. ويبدو أن هذا التوجه سيكون مهيمناً على سياسة الغرب خلال المرحلة المقبلة.
الرسالة التي ينبغي على النظام الإيراني التقاطها هي أنه رغم انتهاء الحراك الداخلي، فإن أسبابه لم تنته بعد، بل زادت وتوسعت بعد أن خسر الكثيرون من أموالهم، خاصة الطبقة الوسطى التي كبرت الآن، وهي قابلة لمعارضة النظام ومقارعته في أي وقت، وربما في المرة القادمة ستكون أشد وأقوى، كما أنه عليها ألا تطمئن إلى الغرب كثيراً، فـ«البرجماتية» هي ما يحكم في النهاية، لذلك ينبغي أن يتعامل النظام مع الموقف بتجرد في تعديل سلوكه السياسي تجاه المنطقة والعالم وبما يفيد شعبه.
الخلاصة أن العالم غير مهيأ للتعامل مع مستجدات الوضع الداخلي الإيراني، لأن المنطقة بأكملها ما زالت تعيش حالة من السيولة الأمنية والسياسية أقلقت العالم كله وأثّرت على استقراره، حيث يتردد حديث عن وجود محاولة للسيطرة على ملفات ما زالت ساخنة، منها «داعش» وأخواتها!