الإمارات ما بعد 2050
الخبر اللافت، هذا الأسبوع، أن هناك تحولات استراتيجية في التخطيط للمستقبل تحدث الآن في أبوظبي والمنطقة، ليس بهدف استدامة الطاقة فقط، ولكن أيضاً بهدف تحقيق الاستدامة في كل شيء بما فيها الاستقرار الأمني، القضاء على الإرهابيين، واستدامة السلام لتحقيق التعايش بين البشر، غير أن هناك في المقابل من لا يزال يجلس في مقاعد الدول المثيرة للأزمات ودعم التنظيمات المتطرفة والإرهابيين، وأقصد نظام «الحمدين» في قطر.
ففي الوقت الذي تستضيف فيه أبوظبي القمة العالمية لطاقة المستقبل، وذلك ضمن أسبوع أبوظبي للاستدامة لمناقشة سبل إيجاد حلول لتحديات الاستدامة، التي تأتي ضمن استراتيجية دولة الإمارات للتصالح مع فترة ما بعد آخر برميل للنفط من أبوظبي إلى العالم وهذا المشروع الاستراتيجي، تفاجأنا بتحرشات قطرية لم تكن في البال على مدى هذا الأسبوع بين مزاعم لا أساس لها وبين اعتراض لطائرات مدنية، وكأنها تريد إشغال الإمارات عن هدفها الاستراتيجي.
صحيح أن نظام «الحمدين» قبل لقطر أن تكون مثيرة للمشاكل في المنطقة منذ عام 1995، إعلامياً وسياسياً، وأن تركز على بيع «الوهم» والكذب للإنسان العربي والقطري، واهتمت بهذا الجانب على نحو كبير، لكن هناك دولاً أخرى اختارت لنفسها بناء الإنسان ومخاطبة العالم بلغة التعايش والتنمية والبناء، وبات لها حضورها الذي لا ينكر في تحديد مصير المنطقة والعالم، بل صار اتخاذ قرارات مصيرية في مستقبل العالم في أمور التعايش والسلام ومحاربة التطرف مستحيلاً في غيبة دولة الإمارات العربية المتحدة.
ما يحدث في دول العالم المتحضر المركزة على استشراف مستقبل العالم والتحديات التي يمكن أن تواجهها في مسائل الطاقة والبيئة وغيرها من التحديات لها صداها في منطقتنا ودولة الإمارات على وجه الخصوص عند الدول التي تعطي أهمية للإنسان، ذلك أن الإمارات اعتقدت عن حق أنه ينبغي التركيز في الوقت الحالي على الاستثمارات للمحافظة على المستوى المعيشي الحالي المرتفع لصالح الأجيال القادمة، مقابل دولة قطر التي تعاني تحت حكم «الحمدين» من مشكلة تبدو هي الأخرى أزلية متمثلة في خروجها عن كل ما تفكر فيه الدول المتحضرة، فتجد مشاريعها أقرب إلى الدول المثيرة للأزمات، بل تهدد استقرار العالم وتخرق القانون الدولي مثل إيران وكوريا الشمالية.
وباختصار فإن دولة الإمارات تهيئ نفسها للعب دور رئيسي في العالم في مجال التنمية، لذلك فهي لا تعطي أهمية كبيرة للاستفزازات من جانب دولة قطر التي همشتها سياسة الحمدين، رغم امتلاكها ثروة مالية يمكن أن تستثمرها في خدمة الإنسانية، لكنها اختارت لنفسها أن تكون داعمة لمن يخربون الاستقرار ويهددون السلام، فدخلت بسبب قيادتها مرحلة «الضياع السياسي» وخرجت من المشهد التنموي.
ولا شك في أن أهم عامل أسهم في الاستعداد لمرحلة ما بعد تصدير آخر برميل نفط، دون أن يمثل ذلك حالة قلق في الإمارات، هو وضوح الرؤية الاستراتيجية لدى قيادة الدولة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي افتتح قبل يومين قمة الطاقة، حيث يؤكد دائماً أننا سنحتفل بتصدير آخر برميل للنفط، فدولة الإمارات في نظر سموه أكبر من أن تكون دولة مصدرة للنفط فقط، فهي تمتلك الإنسان وتهتم به لأنه هو الثروة الحقيقية لكل الدول، وهي تعتبر مجال دورها أكبر وأكثر حيوية من مجرد تصدير النفط، وبالتالي ينبغي لها أن تفكر بما هو أبعد كثيراً من أولئك الذين استسلموا لأصحاب الفكر التخريبي مثل نظام «الحمدين» في دولة قطر وكأنهم لم يستوعبوا دروس الآخرين في هدر ثروات الشعوب لخدمة الأجندات السياسية.
التفكير الاستراتيجي الإماراتي يحرص دائماً على التنمية بكل مجالاتها الحيوية، الإنسان والبيئة والمجتمع والاقتصاد، لأنها تكمل بعضها بعضاً وتستند كل واحدة منها إلى الأخرى.
والذي يلاحظ ما يحدث في دولة الإمارات يجد أنها باتت تمتلك قرارها في الكثير من الملفات التي تتصارع فيها القوى الإقليمية والدولية، على عكس الذين يدورون في فلك جماعات وأحزاب (نظام الحمدين) أغلبها تعمل على محاصر الإنساني العربي وتضغط عليه وتعمل على تبديد أي أمل في النهوض به، مع أنه يدرك تماماً بأن سوف يخسر في النهاية.
وأختم هنا بنقطتين، الأولى أن الإمارات تذهب بعيداً في مجال الاستدامة، فهي تجمع قادة فكر لأنهم يخططون، وصناع سياسة يسهلون اتخاذ قرارات واعية وسريعة، ومستثمرين يوفرون التمويل لمثل هذه المشروعات. النقطة الثانية: قد يبدو أن هذه الملتقيات ما زالت مجرد أفكار وخطط ومناقشات، لكن من المهم التأكيد هنا على وجود رؤية استراتيجية، قد لا يراها إلا صاحبها، وقيادة سياسية تؤمن بالمستقبل والإنسان، وهي رؤية أو حلم سيتحول إلى حقيقة، فدولة الإمارات (حلم زايد في السابق) هي اليوم حقيقة تشع ازدهاراً ورخاءً.
هذه رؤية الإمارات الاستراتيجية بعد عام 2050، فهل تعرف القيادة السياسية في دولة قطر إلى أين هي ذاهبة ببلدها؟!