الزمان التنموي والفكر الاستراتيجي المعاصر
صدر لي في المعرض الدولي للكتاب المنعقد حالياً في القاهرة كتابان الأول عن «الزمان التنموي» والثاني عن «تحولات الفكر الاستراتيجي المعاصر» قد يشتركان في مناقشة نفس المشكلات في الدوائر العالمية والإقليمية والمصرية غير أنهما يختلفان اختلافات جوهرية ليس في رؤية العالم ولكن في مجال التعمق في الدراسة والاستفاضة في بحوثها المتعددة. الكتاب الأول عنوانه «الزمان التنموي والتحديث الحضاري» وقام بنشره المجلس الأعلى للثقافة.
وهو عبارة عن تجميع منهجي للمقالات الفكرية المترابطة التي نشرتها في جريدة الأهرام وجريدة الاتحاد الإماراتية وجريدة الحياة طوال عام 2015.
وقد تعودت منذ أن مارست الكتابة الأسبوعية المنتظمة منذ سنوات بعيدة، أن أجمع في نهاية العام كل ما نشرت من دون حذف مقالة منها بعد تصنيفها بصورة دقيقة.
وذلك لأن استراتيجيتي في الكتابة لا تقوم على كتابة شعارات متنوعة في موضوعات قد تكون متنافرة، ولكن في وضع خطة متكاملة لمعالجة موضوع في سلسلة مقالات متتابعة حتى أستوفى بحث كل جوانب الموضوع. وهذا في حد ذاته يساعدني في نهاية العام على تصنيف المقالات في شكل أبواب أو فصول مستقلة لكل فصل عنوان يشير إلى المشكلة المبحوثة وإلى جوانبها المتعددة.
مثال لذلك حين عالجت موضوع الهوية Identity وهو موضوع مُثار الآن بشدة في الفكر العالمي كتبت أكثر من عشر مقالات متتابعة في الموضوع حتى أستوفيه.
وجدير بالذكر أن أنشر عنوان الكتاب وهو كما ذكرنا «الزمان التنموي والتحديث الحضاري».
والزمان التنموي معناه بكل بساطة أن دول العالم جميعاً، لا فرق في ذلك بين الدول الرأسمالية الغنية والدول الفقيرة في العالم الثالث، أدركت منذ نهاية الحرب العالمية الكبرى عام 1945 أنه ما دام عصر الحروب الكبرى قد انتهى، فلا بد من تدشين عصر جديد شعاره الأساسي التنمية. والتنمية هنا نقصد بها تنمية المؤسسات القادرة على إشباع الحاجات الأساسية للمواطنين ورفع مستوى معيشة أعضاء الطبقات المختلفة وعلى الخصوص الطبقة الوسطى والطبقات الدنيا.
وحين اكتشفت الدول الرأسمالية خطورة جاذبية «الصراع الطبقي» وأهمية القضاء على استغلال الإنسان للإنسان في المجتمعات الرأسمالية، وهي المبادئ التي ركزت عليها الماركسية خصوصاً في تطبيقها «اللينيني» بعد الثورة البلشفية التي اندلعت في روسيا عام 1917، فإن هذه الدول حاولت بنجاح كبير تجديد أفكارها الرأسمالية، وذلك بخلق نوع جديد من الدول أطلق عليه دولة الرعاية الاجتماعية welfare state بمعنى أن الدولة مسئولة عن إيجاد عمل للقوى العاملة ولو سادت البطالة بظرف اقتصادي أو آخر، فإن الدولة تدفع إلى المتعطلين إعانة شهرية لمدة ثلاث سنوات على أن يثبتوا كل فترة أنهم بحثوا عن عمل مناسب ولم يجدوا.
غير أنه يمكن القول إن عصر العولمة هو الذي نشر أفكار الزمان التنموي بحكم أنها قامت على فتح الأسواق الاقتصادية في العالم بلا قيود وسدود على أساس أن ثمار العولمة الاقتصادية ستتساقط على شعوب العالم جميعاً! ومع أن هذه الفكرة ثبت يقيناً- وخصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت الولايات المتحدة الأميركية عام 2008- أنها وهم من الأوهام، ومع ذلك أصبح موضوع التنمية المستدامة مسؤولية أي دولة معاصرة لا تستطيع أن تتنصل منها.
غير أن التنمية بغير التحديث الحضاري طريق مسدود، ومن الضروري أن يتم التحديث الحضاري لمؤسسات المجتمع الأساسية وأهمها النظام التعليمي حتى يتفق مع المعارف العلمية الجديدة والمستحدثات التكنولوجية.