الإعلام التفاعلي.. التباس المفهوم
يُعتبر الإعلام التفاعلي – هذه الأيام – آخر طفرة في تكنولوجيا الاتصال، حيث تحقّقَ نقل البرامج التقليدية (صحافة– إذاعة – تلفزيون – هواتف) عبر الإنترنت، وبذلك أُتيحت الفرصة لجميع الناس للوصول إلى تلك البرامج والتفاعل معها. ويتحقق الاتصال عبر الإعلام التفاعلي من فرد إلى فرد أو من فرد إلى جماعة أو من جماعة إلى جماعة أكثر، بهدف الاستفادة من التكنولوجيا في الإقناع والتوجيه عبر البرامج السياسية والاجتماعية والثقافية، وأيضاً في التسلية ، حيث يتمكن الإنسان من الوصول إلى ماهو متوافر، بعيداً عن تدخل أية سلطة، وأن يُشارك إما في الحوار، أو في الشراء والبيع، أو التسلية. كما يُتيح الإعلام التفاعلي فرصة الاستفادة من خاصية استرجاع المعلومات ونشرها في كافة أنواع العلوم والفنون والآداب.
ويرى علماء الاتصال أن التفاعلية Interactivity تجاوزت الاتصال الإنساني المعروف، لدرجة توافر التفاعل مع وسيلة الاتصال التي يستخدمونها الآخرون في ذات الوقت عبر ملايين المتفاعلين حول العالم.
ولقد كانت الإنترنت الأساس الأول للإعلام التفاعلي، الذي حقق تطوراً مذهلاً في التخلص من رقابة السلطة وزيادة مساحات الحوارات المفتوحة سواء في حلقات النقاش (Online) أو في غرف المحادثة (Chat rooms) أو تبادل الرسائل الإلكترونية (Online E-mail).
وإذا كانت التفاعلية من أهم خصائص الإعلام الجديد، فإن هنالك مظاهر أخرى تتابعت في هذا الاتجاه، وهي (اللاتزامنية): أي أنك تستطيع استقبال الرسائل وترد عليها ليس آنياً، بل في وقت آخر، أي في الوقت المناسب للإنسان مستقبلاً كان أو مُرسلاً. وكذلك المشاركة والانتشار، حيث يتيح هذا الإعلام الفرصة للإنسان – بأدوات بسيطة – أن يكون ناشراً أو صحفياً يتفاعل مع الآخرين، وكذلك الحركة والمرونة، حسب الأجهزة المتوافرة، والكونية: حيث تتخطى الرسائل حواجز الزمان والمكان، واندماج الوسائط، حيث يمكن الوصول إلى النصوص، والصور، والصور المتحركة، والرسوم . ومنها أيضاً الانتباه والتركيز، التفاعل يجعل الإنسان أكثر تركيزاً وانتباهاً لأنه أصبح مشاركاً، وليس متلقياً سلبياً كما هو في الإعلام التقليدي، كما يحقق هذا الإعلام الحفظ والتخزين، حيث يمكن حفظ الرسائل – مهما كان حجمها – مع الصور والأفلام، واسترجاعها في أي وقت بكل سهولة ويسر.
ولقد ظهر مفهوم البرامج التفاعلية في التلفزيون بصورة ملتبسة وغير دقيقة في بعض تلفزيونات دول الخليج. وأخذ بعض الإعلاميين – والصحفيين على وجه الخصوص – يطلق مسمى (البرامج التفاعلية) على كل برنامج يشترك فيه المتصل، حتى وإن كانت بعض هذه البرامج يضيع فيها الحوار أو (زبدة الكلام)، حيث كثرة الضيوف وتداخل الحوارات ومحدودية وقت البرنامج، دون أن يتحقق الهدف من البرنامج. كما أن المشكلة – لدى بعض الصحفيين الجُدد على الإعلام أو على المنطقة – أنهم يُطلقون أحكاماً حاسمة على بعض البرامج المتواضعة جداً ( إعداداً وتقديماً وفكرة وشكلاً) على أنها برامج «رائعة» وناجحة، دونما الاعتماد على آراء المشاهدين، أو عمل استبيانات رقمية تنقل آراء المشاهدين والمختصين بصدق وشفافية. وهنا تلعب الصحافة دوراً مهماً ذا اتجاهين، الأول: قيادة الرأي العام نحو برامج متواضعة وتقدمها لهم بأنها الأفضل والأنجح، وبالتالي يتحدد رأي عام منها، وهو خاطئ حتماً، والثاني: عدم تقييم اتجاهات مثل تلك البرامج، والترويج لها بصورة دعائية – بكل أخطائها وسوء مقدميها وعدم اختيار الضيوف الملائمين لها – فيكبر المعدون والمقدمون الذين هم في سن 20-25 ليكونوا في المستقبل من المعدين والمذيعين الذين لم يراعوا الأسس الراسخة في تقاليد الإعلام، وهذا ما يُسبب تراجعاً في المسيرة الإعلامية. ويتم ذلك بـ«فضل» الإعلام الدعائي الذي يعتمد المزاج والصداقة بعيداً عن العقل والعلمية والمهنية.
ولقد شاهدنا في الآونة الأخيرة برامج «مشوهة» لاتمت بصلة إلى رصانة البرنامج التلفزيوني. ولقد أصابتنا «لوثة» بعض البرامج العربية التي يتحدث فيها خمسة أو ستة متحدثين– بمستوياتهم المحدودة علمياً وثقافياً ومهنياً– لنجد أنفسنا وكأننا في «مقهى الشيشة» أو في مجلس «شاي الضحى» !؟ حوارات وتعليقات ودخول في الحوار دونما رؤية أو تمكن، دون أن نصل إلى هدف البرنامج، وللأسف يطلقون على مثل هذه البرامج أنها برامج «الشباب» أو «البرامج التفاعلية». ومن يُطلق هذه المسميات حتماً لا يعرف معنى «التفاعلية» التي نُدرّسها في الجامعات.
وهذا الأمر يجعل العديد من برامج الإذاعة والتلفزيون بعيدة عن طموحات ومشاكل الجماهير، ولقد لاحظنا خلال السنوات الماضية أن التفاعل – عبر وسائل التواصل الاجتماعي – كان بارزاً ومؤثراً أكثر من بروزه وتأثيره في وسائل الإعلام التقليدية، باستثناء بعض الصحف التي بدأت تنشر تفاعلات الناس عبر الوسائط الأخرى.
نرجو من بعض الصحفيين والإعلاميين إطلاق الأسماء على مدلولاتها، دون أن يستخدموا كلمات « كبيرة» ويسقطون دلالاتها على واقع «صغير» لا يستحقها.
د. أحمد عبدالملك
أكاديمي وإعلامي قطري