الإمارات والنهضة التعليمية
يتفق الجميع على أن السر وراء أي نهضة في أي مجتمع، يكمن في التعليم لديه؛ ولذا فليس غريباً أن تجد الاهتمام الذي توليه الدول المتقدمة للعملية التعليمية، وعملها على وضع استراتيجيات بعيدة المدى لعلاج مشكلات التعليم فيها، وتخصيص ميزانيات كبيرة للنهوض به. إن الولايات المتحدة تقوم بمراجعة، بين فترة وأخرى، لخط سير التعليم فيها؛ لأنه أحد أسباب انبهار العالم بها وريادتها له و"قوتها الناعمة"؛ ومن ثم فهي لا تقبل التنازل عن ذلك. وفي كل سنة تسجل الجامعات الأميركية تقدماً على كل جامعات العالم الأخرى، و أوباما، وضع برنامجاً طموحاً لتطوير التعليم. وتعد الدول الآسيوية، وخاصة نمور آسيا التي حققت قفزات تنموية كبيرة خلال العقود الثلاثة الماضية، من أنجح التجارب التنموية في العالم، بعد أن عالجت تخلفها بالتعليم، واستطاعت إبهار العالم بما حققته من مستويات تنموية كبيرة، بل مثلت في فترات تهديداً لمراكز كثير من الدول، بما فيها دول العالم الأول. واليوم باتت الهند ذات سمعة جيدة في مجال تقنية المعلومات، بعد أن اختارت لنفسها هذا التخصص، وأصبحت تصدر عمالة تقنية للغرب، غزت بها الولايات المتحدة، وذلك بعد أن ركزت على إصلاح بنية التعليم، وأنشأت معاهد متخصصة في مجال المعلومات، وأصبحت ولاية "بنالور" أشهر الولايات الهندية في صناعة البرمجيات، وبات العالم ينظر إليها نظرة جديدة.
والشيء الذي يلفت النظر في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة الماضية، وخاصة في إمارة أبوظبي، أن هناك اهتماماً ملحوظاً بإصلاح المنظومة التعليمية بشكل عام؛ فقد تابع الجميع تأكيدات الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على أهميةَ تطوير التعليم وتجويد نوعيته، معتبراً أن التحدي الحقيقي القادم هو معركة التعليم، وأنه لا خيار لكسب المعركة إلا به.
وإذا كانت مناسبات الحديث عن ضرورة تطوير التعليم في دولة الإمارات كثيرة، وقد أخذت موجات اهتمام مختلفة، تشهد أحياناً ارتفاعاً، وأحياناً تنخفض إلى درجة لا تجد أي اهتمام بها، فإن مناسبتها اليوم هي بداية العام الدراسي، وهذا أفضل توقيت للنظر في استذكار مسار النهضة التعليمية في دولة الإمارات؛ حيث يتوقع أن يكون مختلفاً عما كان عليه خلال الفترات الماضية. وربما ترتبط النهضة التعليمية -أول مرة- في دولة الإمارات، وخاصة في إمارة أبوظبي، بقرار سياسي استراتيجي، فقد رصدنا - كما رصد غيرنا - تلك الجولات الميدانية التي كان يقوم بها سموه؛ إما لافتتاح صرح تعليمي جديد، أو للالتقاء بالمبدعين من أبناء الإمارات، أو تأكيد أهمية ارتباط التدريب بالتعليم.
لقد تم الكثير من المحاولات لإصلاح التعليم في الدولة، لكن نظراً لعدم الثبات على خطة واحدة، بغض النظر عن منفذيها، فإن السمة الغالبة كانت هي التشويش وعدم الوضوح؛ فكانت الخطط تتغير بتغير الأشخاص التنفيذيين، لكن الصورة باتت واضحة الآن؛ فالمشرف على التنفيذ شخصية تدرك ما تريد للإمارات، وقد صممت على النهوض بها؛ كما نهضت بالمجالات الأخرى؛ ولذا فإننا نشهد حالة من النشاط، وحركة تعليمية في إمارة أبوظبي، أعتقد أنها ستكون خلال العام الحالي، أفضل تجربة لحقيقة التخطيط لمستقبل الإمارات.