تتبنى فيسبوك، عملاق التواصل الاجتماعي، سياسة في الإعلان السياسي تثير القلق بشكل خاص ولا تستلفت انتباهاً تقريباً. وسياسة «فيسبوك» تقوم على فصل الخطاب السياسي بحسب الجنسية ومعاملة إعلانات كل المنظمات السياسية الأجنبية باعتبارها محل ريبة. وتمتد جذور هذه السياسة إلى جلسة استماع في مجلس الشيوخ في أكتوبر 2017، حين انتقد السناتور الديمقراطي حينذاك «آل فرانكن» المستشارَ العام لفيسبوك بشأن الإعلانات السياسية مدفوعة الأجر بعملة أجنبية. وكان فرانكن يسعى من وراء ذلك إلى أخذ تعهد من فيسبوك بأن ترفض أياً من هذه الإعلانات التي تباع مقابل الروبل أو اليوان.
والتزم موقع التواصل الاجتماعي بمنع الإعلانات السياسية من الأطراف الأجنبية. وكان الالتزام معقولا، لأن القانون الأميركي يحظر على الأجانب الاشتراك في «الاتصال الانتخابي» الذي يُعرف بأنه دفاع أو هجوم على مرشح معين. لكن المشكلة الأكبر تنبع من تعريف فيسبوك للإعلان السياسي، وهي مشكلة واجهت أيضاً «تويتر» في محاولتها تطبيق حظرها الذي أعلنته حديثا بشأن الإعلانات السياسية. وتعريف فيسبوك للإعلان السياسي يغطي مزيجاً من الإعلانات السياسية التقليدية بالإضافة إلى أي إعلان بشأن «قضايا اجتماعية».
وعلى الراغبين في شراء إعلان لقضية معينة لتوجيهه إلى جمهور أميركي، أن يحصلوا على ترخيص. والترخيص يتطلب بطاقة هوية أميركية، وعنوان إقامة للمراسلة في الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، لا يستطيع شراء إعلانات بشأن أي قضية متعلقة بالسياسة إلا الأميركيون أو المقيمون في أميركا. وطبّق فيسبوك تدريجياً قيوداً مشابهة في مناطق أخرى. ففي النمسا وكندا والاتحاد الأوروبي وبولندا وسنغافورة وتايلاند والمملكة المتحدة.. تطبق شروط إصدار ترخيص بالإعلان.
والقيود منبعها رغبة مشروعة في الحماية ضد حملات تضليل إعلامي خبيثة بشأن الانتخابات من أطراف أجنبية، ونتيجة ضغط شعبي كبير للقيام بهذا. لكن الحظر ينطبق على الأعداء والحلفاء معاً. فالحظر ينطبق كذلك على طائفة من الفاعلين الأجانب الذين لهم مصلحة مشروعة في نشر رسالتهم عبر إعلانات مدفوعة على فيسبوك.
وتأثير القيود لا يطال الأجانب وحدهم، فالأفراد والكيانات في الولايات المتحدة محظور عليهم نشر إعلانات مدفوعة بشأن السياسات والممارسات الأجنبية التي قد تؤثر على حياة الأميركيين، مثل وضع عراقيل تجارية جديدة أو تعديل سياسة التصدي لتغير المناخ أو أدوات للسيطرة على الهجرة والسفر. كما أن الحظر لا يُطبق إلا على فئة صغيرة من الاتصالات الانتخابية ولا يعالج الكم الأكبر من جهود التأثير الأجنبي. والإعلانات نفسها لا تمثل إلا طائفة صغيرة من مشكلة التأثير الأجنبي.
وهذا لا يعني أنه يجب عدم التصدي للضرر الناجم عن الإعلانات السياسية على الإنترنت، بل يعني توخي الحذر بشأن الإصلاحات السريعة التي تجعل من كل الأجانب مصدر ضرر أو تطلب من الشركات الحذف الكامل لكل محتوى أجنبي. بل يجب التركيز على شفافية فاعلة واكتشاف الحسابات غير الأصيلة وفرض قيود على أكثر الأنماط تدميراً. فالحظر الشامل على فئات كاملة من المتحدثين لن يحل المشكلة الأساسية بل قد يتسبب على الأرجح في مشكلات جديدة.
وكخطوة أولى، يجب على الكونجرس إقرار نسخة أقوى من «قانون الإعلانات الأمينة» الذي يشترط كشف المعلنين بوضوح عن هويتهم وعن مصادر التمويل والممارسات المستهدفة. وفي الوقت نفسه، على فيسبوك وشركات التكنولوجيا الأخرى اتخاذ إجراءات إضافية تستهدف دعم الشفافية بشأن مصادر الإعلان وإحباط ممارسات الخداع والتزوير.
لا شك في ضرورة التصدي للحملات الأجنبية الخبيثة، لكن هناك مخاطر من تجاوز الحد. لقد استفدنا كأمة من تصورات الأجانب، واستفدنا من قدرتنا على التحدث عبر الحدود أيضاً، ويجب ألا نحمي ديمقراطيتنا بتقييد الشيء نفسه الذي نحاول الحفاظ عليه، وهو النظام الديمقراطي المفتوح وحماية القيم الديمقراطية المحورية بما في ذلك حرية التعبير.
*أستاذ في كلية الحقوق بالجامعة الأميركية في واشنطن ومديرة برنامج التكنولوجيا والقانون والأمن في الكلية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»