ستترتب على عودة دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية تداعياتٌ سياسية واقتصادية وأمنية عديدة، وقد بدأت دول العالم كافة تعيد حساباتها، وترتيب أوراقها، لتتناسب والمرحلة «الترامبية» الثانية، والتي ستكون أكثر تأثيراً وشمولية من الفترة الأولى بحكم تحرر الرئيس من حسابات إعادة الترشح.
وسينحصر حديثنا هنا في شؤون النفط والطاقة على المستويين المحلي الأميركي والخارجي العالمي، خصوصاً أن سياسة الطاقة ستحتل مكانةً بارزة في سياسات ترامب، إضافة إلى أن ذلك يشكّل أهميةً بالغة لدول مجلس التعاون الخليجي والدول المنتجة للنفط بشكل عام، إذ بتشجيع من الفترة الأولى لترامب ارتفع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة ليبلغ ذروتَه، ويصل إلى 9.5 مليون برميل يومياً في يوليو 2023، ما شكل 65% من إجمالي الإنتاج هناك، إلا أنه انخفض إلى 8.6 مليون برميل يومياً، خلال الربع الثاني من هذا العالم، وفق منظمة «الأوابك»، وذلك بسبب انخفاض منصات التنقيب نتيجة للقيود التي فرضتها إدارة بايدن.
ومع أن السياسات الجديدة قد تدفع باتجاه رفع إنتاج النفط الصخري، كما صرح ترامب، فإن ذلك سوف يستغرق بعضَ الوقت، حيث سبق أن انسحبت بعض شركات الإنتاج، أو قلّصت أعمالَها خلال السنوات الأربع الماضية.
أما في المجال الخارجي، فمن المعلوم أن رؤية ترامب للحرب الأوكرانية الروسية تختلف عن رؤية الإدارة الحالية، إذ صرح الرئيس المنتخب أنه قادر على إنهاء الحرب بسرعة، مما يعني عودةَ النفط والغاز الروسيين بقوة إلى الأسواق الأوروبية، وذلك رغم دعوة ترامب الدول الأوروبية لزيادة اعتمادها على واردات الغاز الأميركية، علماً أن مستويات الإنتاج الروسية لم تتغير بسبب العقوبات الغربية، وإنما غيّرت اتجاهها نحو الشرق.
وستكون لهذين العاملين تأثيرات على العرض في الأسواق، ما قد يؤدي إلى تذبذبات حادة مع اتجاه لبعض الانخفاض مع مرور الوقت، إلا أن تحسّن العلاقات الأوروبية الروسية سيؤدي إلى انتعاش هذه الاقتصادات، إضافة إلى الاستهلاك الصيني، ما سيرفع الطلب على النفط والغاز، وبالتالي يُبقي الأسعارَ عند مستويات مرتفعة نسبياً، لا سيما أنه سيكون هناك دور محوري لمنظمة «أوبك+» في هذا الشأن، إضافة إلى أن المعادل المساوي لتكلفة إنتاج النفط الصخري تتراوح بين 55 و80 دولاراً، وبمتوسط 60 دولاراً للبرميل، وهي تكلفة عالية، مقارنةً بتكلفة إنتاج الحقول العادية.
وفي الوقت نفسه، يشير تقرير لبنك HSBC إلى أن القدرة الإنتاجية للنفط الصخري ستفقد زخمَها في عام 2028، وذلك لأسباب تقنية وأخرى تتعلق بالتكلفة، كما أن احتياطيات الولايات المتحدة من النفط محدودة نسبياً وتبلغ 32 مليار برميل و78 مليار برميل من النفط الصخري الذي يصعب استخراج بعضه حالياً، مقارنة بمستوى استهلاك محلي هو الأعلى في العالم (20 مليون برميل يومياً)، مما يعني أنه لا توجد الكثير من المخاوف والمحاذير بشأن تأثيرات التوجهات الترامبية في مجال النفط والغاز، خلال السنوات القليلة القادمة.
ومع ذلك، فعلى أعضاء «أوبك+» مراقبة سياسات الطاقة الأميركية الجديدة، والتي قد تتطلب إعادة النظر في بعض التوجهات الحالية للمجموعة للحفاظ على أسعار عادلة للنفط، وهي مسألة مهمة لاستمرار زخم النمو الحالي في البلدان المنتجة.
وهناك جوانب إيجابية أخرى لسياسات الطاقة التي سيتبعها ترامب تتعلق باستمرار الاعتماد على النفط والغاز، وذلك على النقيض من سياسات بايدن الرامية إلى التخلي عن إنتاج الوقود الأحفوري، وبالأخص النفط وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، علماً بأنه لا أحد يختلف مع هذا التوجه، بما في ذلك الدول المنتجة للنفط، وبالأخص دول مجلس التعاون الخليجي التي تستثمر بقوة في إنتاج مصادر الطاقة النظيفة. إلا أن ذلك بحاجة إلى التدرج لتجنب تعرّض العالم لأزماتِ طاقةٍ جرّاء التخلي عن المصادر التقليدية دون وجود بدائل كافية لمصادر الطاقة المتجددة تلبي الطلبَ المتزايد، حيث يمكن في هذا الجانب التنسيق بحد أدنى بين منتجي النفط والغاز، بما فيهم الولايات المتحدة للحفاظ على استقرار أسواق وأسعار الطاقة خدمة للنمو الاقتصادي العالمي.

*خبير ومستشار اقتصادي