يعد الإعلام السلطة الرابعة في أي بلد من العالم، وقد بات دبلوماسية العصر، وأهم القوى الناعمة المؤثرة المتداولة التي نستطيع من خلالها مواجهة الأزمات وعبور القارات، والوصول إلى مساحة أوسع من الجمهور، وذلك من خلال نشر محتوى إعلامي جذاب وهادف وذي قيمة وطنية راسخة، يبرز تاريخ الوطن ودوره ونهضته وإنجازاته، أي ما يشكّل مصدر إلهام للمواطن والمقيم والزائر والمراقب.
ويؤدي الإعلام في وقتنا الحالي رسالةً مهمة، ودوراً حيوياً أكثر من أي وقت مضى، وذلك في دعم وإبراز مكانة الدول ومواقفها وتصوراتها، داخلياً وخارجياً، سياسياً واقتصادياً. لذا يتعين على جميع المؤسسات الإعلامية الخليجية، والتي أصبح معظمها ينتج محتوى معززاً بتقنيات دقيقة، الالتزام بالمهنية العالية والحرفية الفنية والإدراك الواعي خلال التعامل مع الأحداث والتصدي للشائعات والأكاذيب.
واليوم يجب توظيف الإعلام وسيلة تأثير وقوة ناعمة فاعلة، ويتعين الاهتمام بالمحتوى الإعلامي في هذه المرحلة الحرجة، وما تشهده من أحداث ساخنة وأزمات متلاحقة. كما يتعين أن نسخر للإعلام إمكانات مادية وبشرية كافية تديرها عقول ناضجة، لمواجهة الهجمات والحملات، لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتفنيد مزاعمها وتفكيك محتواها من خلال إعلام ناجح ومؤثر يستطيع تغيير العقول من خلال أساليب راقية ومحتويات مؤثرة.
لقد أزعجتنا الأصوات النشاز الضارة من المتربصين في منصات وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تبث محتوى مستفزاً، وتنشر سموماً ضارة، لذا فمن الواجب التصدي لهذه المنصات وأصواتها الزاعقة بأصوات أقوى وأكثر دراية وأعمق معرفة وأبلغ حجة وأنجح أسلوباً.. وذلك بشكل ممنهج ومدروس بعناية، وتحت إشراف عقول ناضجة وكفاءات راسخة وخبرات غنية.. تعرف كيف تتعامل مع الإعلام المضاد، وكيف تستطيع فضح نواياه وأجنداته الحقيقية.
لقد طرأت تغييرات وتحولات كبرى، خلال المرحلة الحالية الحرجة من تاريخ العالم والمنطقة، ساهمت وتساهم في خلق خريطة جديدة من خلال الفضاء المفتوح، عبر التقنية الحديثة، لكن إلى الآن من دون ضوابط ولا مرجعيات.
إن القوة الصلبة متمثلةً في الأسلحة العسكرية والجيوش الأرضية والجوية والبحرية، الثقيلة والخفيفة، لم تعد لوحدها قادرة على ضمان الهيمنة والاستمرار ولا كافية بمفردها للدفاع عن الأوطان والدول، حتى بعد أن ظهرت أنماط جديدة من الأسلحة تتناسب وتنسجم مع الطبيعة الخاصة بكل معركة.
لقد صار مفهوم القوة الناعمة أحد المفاهيم الأساسية في المقاربات الاستراتيجية، وهو يُعنى بالتوجيه المعنوي والتأثير النفسي في حالات الحرب والسلم معاً، وفي خضم الأزمات والكوارث والأحداث الطارئة.
وتتمثل القوة الناعمة في الإعلام المؤثر والفعال، وهو في حالات كثيرة يستطيع أن يحقق ما تعجز القوة الصلبة عن القيام به. والقوة الناعمة ليست دعاية سياسية أو ترويجاً لمبادرات معينة، ولكنها سجال عقلي يؤثر على الرأي العام وتوجهاته وقناعاته. وأهمية الإعلام وخطورته تكمن في القدرة على التأثير العام وبلورة الفكر الذي يتحكم في تصرفاتنا، ويؤثر على مواقفنا، ويجعلنا نتخلى عن ثوابتنا أو نتمسك بها. 
علينا في دول الخليج العربية، في المرحلة الحرجة الحالية تحديداً، أن نستمد فلسفة إعلامنا من الأفكار النيرة والخبرات الثرية والرؤى الحصيفة لعدد من أصحاب التجارب الناجحة الذين سبقونا في صناعة الإعلام وفي توظيفه، ليصبح هذا الخيار أحد معالم السياسة العامة ومرتكزاتها القوية في دولنا. وكل ذلك من شأنه إيجاد واقع إعلامي محصن ومهاب يؤثر في المشهد العام، ويقود إلى أفضل استراتيجيات التكيف مع المتغيرات المحيطة، وإلى ابتكار أساليب عمل جديدة تُبرز قدرةَ دولنا على المنافسة وعلى بناء رصيد متين من الثقة العالية بين المحتوى الإعلامي والجمهور المتلقي.. أي من خلال الرسالة الإعلامية الهادفة التي نحتاجها اليوم وغداً.

*كاتب سعودي