الحقيقة التي أصبح الجميع يعرفونها، أن العراق دفع ثمناً باهظاً لحماقة غزو صدام للكويت، فماذا لو لم يحدث الغزو؟ سؤال يطرح نفسه بالتزامن مع الذكرى الـ29 للغزو العراقي للكويت، والتي تصادف يوم الثاني من أغسطس كل عام.
على المستوى الرسمي جرت تحولات كثيرة ساعدت على طي صفحة الماضي بين البلدين الجارين، أبرزها الزيارة الاستثنائية التي قام بها سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى العراق في 19 يونيو الماضي والتي وصفت بالتاريخية. لكن عراق اليوم يختلف عن عراق الأمس، الذي خرج بعد حربه مع إيران مزهواً بالانتصار. فكان بإمكان الدولة العراقية بعد انتهاء تلك الحرب الطاحنة أن تواصل مسيرتها بنمو متصاعد. وقبل أن يشارف عقد الثمانينيات على الانتهاء، كان الجميع، وفي مقدمتهم دول الخليج، يتوجهون نحو دعم الفلسطينيين مالياً وسياسياً وإعلامياً. وظل الحال كذلك ولم تكن هناك إشكاليات تصرف الأنظار عن الموضوع الفلسطيني، إلى أن وجد صدام حسين من يزين له غزو الكويت ويشجعه على خوض مستنقع الغزو، الذي تغيرت المنطقة بعد حدوثه، وتبدلت أولوياتها الأمنية بشكل اضطراري.
كانت أجهزت المخابرات الغربية عموماً والإسرائيلية خصوصاً، وبالتشبيك مع الأميركان، يعملون على منح عراق صدام الضوء الأخضر لغزو الكويت، كطُعم للقضاء على العراق، وحينها لم يستمع العراقيون للنصائح المخلصة التي تم توجيها إليهم، وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أبرز الناصحين لصدام بالتخلي عن حماقة غزو الكويت.
لو لم يحدث الغزو العراقي للكويت، لا شك أن العراق الذي خرج منتصراً من الحرب مع إيران عام 1988، كان قادراً على حل أية إشكالية مع الكويت، عبر خيارات وحلول كثيرة ممكنة. فهناك دائما تدرج في الحلول من الحل (أ) إلى الحل (ب)، لكن صدام قفز إلى الغزو الذي تحول إلى كارثة، إذ كان خيار شمشون الانتحاري المدمر.
القراءات المنطقية القائمة على تقييم الإمكانيات والطاقات الاقتصادية والبشرية، تخبرنا أن مستقبل العراق كان سيبدو مختلفاً بشكل جذري عن وضعه الحالي، لو لم يقم بغزو الكويت. فهو الآن مصنف ضمن لائحة الدول الفاشلة. ورغم ثرواته وما يمتلكه من احتياطيات، أصبح يقترن بدول تنهشها الفوضى والحروب والجماعات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة. لذلك لا ينبغي أن تمر الذكرى الأليمة للغزو العراقي للكويت من دون دروس، تكشف مدى تأثير غياب الحكمة على مستقبل الشعوب. فقد أدى انهيار العراق إلى حدوث تداعيات مؤثرة على الأمن القومي للدول العربية بشكل عام، لأن ضعف العراق وتحوله إلى ساحة للنفوذ الإيراني، فتح شهية إيران، بعد أن تمت إزاحة العراق الذي كان خصمها اللدود، لأن جيشه كان يمتلك عقيدة عسكرية متماسكة، تجعل أفراده يتجاوزون الانتماءات المذهبية والطائفية لجذورهم العائلية، ويقاتلون تحت راية جيش عراقي قوي الإرادة والعزيمة. فيما مثل غزو الكويت ضربة قاصمة سمحت لإيران بالتمدد والتوسع والطمع في تصدير ثورتها، وعملت على ذلك بجميع الأساليب الماكرة.
وبعد انهيار العراق أمنياً واقتصادياً، على خلفية الغزو الأميركي والتدخل الإيراني، تم تفتيت الهوية الوطنية العراقية، وظهرت الطائفية، وخسر العراق شخصية الدولة التي كان العراقيون يعبرون من خلالها عن هويتهم الواحدة. فالجنود الذين شاركوا في المعارك ضد إيران كانوا من المسلمين والمسيحيين، من الشيعة والسنة والصابئة والزرادشتية وغيرهم، لكن ولاءهم كان لوطنهم. بدليل أن الجندي العراقي المنحدر من الشيعة، رفع سلاحه وقاتل ضد إيران المصنفة شيعية، والتي تستخدم المذهب كأيديولوجيا أساسية في حروبها. بينما يخرج الآن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ليكشف عن الانحدار الذي وصلت إليه نخبة العراق عندما يقول: أنا شيعي أولاً وعراقي ثانياً!
حتى الآن لا يزال العراق يدفع ثمن غزوه للكويت. ومع حلول ذكرى الغزو المشؤوم نخرج بدروس جديدة، لأن التصرف اللا مسؤول لصدام لم يدفع ثمنه العراق منفرداً، بل المنطقة العربية بأكملها. ولا تزال الإمارات والسعودية تبذلان جهوداً لمواجهة التداعيات التي حصلت خلال العقود الماضية وما نجم عنها.
*كاتب إماراتي