تزداد الاضطرابات في المجتمعات العربية الراهنة على نحو يهددها، بصيغة جارفة أحياناً، ومن مظاهر ذلك بروز الشارع العربي بعد فترات متباعدة من الركون والسكون الحذرين. والسبب الذي يطرح نفسه هنا يتمثل في أن المنتخبين ينتمون إلى شعوب تتسم بسمة خاصة وملازمة، وهي أنها شعوب عربية ستبقى أمداً من الزمن خارج المقدرة التاريخية، حيث يبرز القول المأثور عن العثمانيين: العرب جرَب! وقد أثار ذلك شجوناً ويأساً وتشاؤماً، مما أدى إلى مزيد من الاضطراب في أوساط الجمهور الكبير، ومعه فصائل الإعلاميين والمثقفين، بمن فيهم الفقراء والبؤساء، لكن أيضاً في حياة الأثرياء والنافذين داخل الجسم الرسمي.
ما يحدث منذ عدة أعوام في سوريا على وجه الخصوص نعتبره نوعاً من «ترتيب البيت الداخلي»، بشكل عنيف ومدمر، لكن خلال هذه الأعوام التي كبر فيها الأولاد ومعهم البنات وانتقلوا من الطفولة إلى بدايات النضج، بتنا على العموم أمام تحولات فيزيولوجية وعقلانية وثقافية وغيرها، سوف تظهر في قادم الأيام بصيغة رهان ما. وربما يتعين أن نفتح الأبواب لهذا الجيل للظهور كقوة شبابية ذات فاعلية تاريخية.
إن ثمة إمكانية لتشكل وليد جديد في عالم الفكر والسياسة خلال مرحلة مركبة من الأجيال والأفكار والتوجهات، ربما برؤية جديدة.. وليد قد يفاجئنا في قادم الأيام، يفاجئنا في الميزان السوري العربي وغيره من الموازين المعيشة. ومن هنا، نطرح فكرةً قد تعبّر عن لحظات قادمة نعبر عنها بعبارة «قادم الأيام»، لأننا نرى فيها «ما يرى النائم» المختزن رأسه بما طاب من أحلام، تشير إلى واقعيتها، دون إغفال ما يتعارض منها مع الواقع. ومن ثم فإنه يتعين علينا أن نقرأ هذه الأحلام بمرها وحلوها: لقد عانت الشعوب العربية في أكثريتها، وهي تستحق آمالا وردية تنعش أيامها القادمة، وهنا يلوح لي حلم «المجتمع المدني» أمام مستحقيه في العالم العربي.
إن معنى كلمة الانفتاح يتمثل في أنه ليس هنالك أحوال خالدة، خصوصاً منها ما يأتي ليدغدغ عقول الناس وعواطفهم. وهنا قد يقول قائل: الشرّ ليس مطلقاً وليس أبدياً، وإنما يجد نهايته حين يشرق الخير. فالخير لكل الذين يحلمون به، ويبذلون جهودهم في سبيل ظهوره؛ أما الذين أسسوا للشر فإلى قاع الوجود ينزلقون!
إن ما نسعى لتأسيسه هو بديل تاريخي بشري يتوازن مع معطيات حالين اثنين: الإنسان الفاعل، والمحيط الطبيعي المجتمعي المؤثر. وهنا، نعود إلى الجذور المتغيرة دائماً. وإذ نشغل عقولنا وطاقاتنا في سبيل تحقيق ذلك، فإننا نجد عيوننا وقد اتجهت إلى تاريخنا (أو بالأحرى إلى جزء منه)، وإلى واقعنا وآتينا (مستقبلنا)، وذلك لأن تلك الآفاق حين تفككها وتعيد تركيبها، وتكون أمام ذلك عيناً وقلباً، ربما تضع يدك على ما أصبح واضحاً تحت شمس الحياة قبل أن تتضاءل وتنحسر ويعم الظلام.
لكن البشرية التي خسرت ما لا يحصى من نوافذ الحياة، مع الشمس والرؤية المستقبلية، لم تفقد ما بقي من إرهاصات تشي بانتمائها إلى عالم العمل والحرية والآمال. وهنا نكون وصلنا أمام العقدة المعقدة، التي نبحث عنها في عالم التاريخ القومي والعالمي، لكن بعيون تتجاوز مراحل الفشل والإخفاق، إلى محاولة تجسيد الأحلام الخاصة لعالم عربي يأخذ ويعطي كما يعطي الآخر.
*أستاذ الفلسفة -جامعة دمشق