هناك محاولات لإيجاد استراتيجية للبحث العلمي في تاريخ الفكر العربي الإسلامي انطلاقاً من خارجه، وهو أمر يحرّف البحث عن سياقه الحقيقي.
ونلاحظ هنا أن المسألة المركزية الأولى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم تمثلت في إشكالية السلطة؛ تأسيساً وانتقالاً واستمراراً. وقد برز التجسيد الأول على هذا الصعيد من خلال موضوع «الخلافة». وهنا لا نجد معايير دينية تشير إلى مَن أوكلَ النبيُّ الخلافةَ. ذلك كان الاختبار الأول للمسلمين بعد الرسول، وكان من شأنه أن يؤسس لمسألة استمرار السلطة، بما فيها الخلافة. وكان أمراً مُلفتاً وتأسيسياً أن المسلمين، في حينه، لم يجدوا أمامهم تحديداً نبوياً لهوية المستخلَف! وهو أمر ذو أهمية مركزية في إقامة مجتمع يحركه مواطنوه بوعيهم وإراداتهم وتنظيمهم، وليس بمعايير دينية خالصة.
هكذا جاء حوار «سقيفة بني ساعدة»، بضوابط مدنية أولاً، ثم على ضوء حوار شوروي، وليس بتقرير نخبوي أو فردي، وبعقلية تاريخية تضبط الأحداث، ثم باللجوء إلى أداة تُشرك الجميع في الاختيار الحر والمفتوح في تحديد مَن يُدير السلطة: وهنا نرى أن ما حدث بأدوات شوروية، لم يكن أقل مصداقية مما سينمو لاحقاً تحت عنوان الديمقراطية، خصوصاً حين نرى في التاريخ البشري صنواً لما سينشأ لاحقاً، مع الأخذ بالاعتبار ما سيبرز تحت مفهوم «التاريخ المفتوح» الذي مثّل ويمثل نمواً نوعياً في تطور الوعي البشري.
لقد جاءت تلك التجربة الشوروية كمرحلة متقدمة من تطور المجتمع البشري ونموه العقلي الداعي لإقامة حوار كوني شامل. ومما أسهم في فتح الحوار بين الشرق والغرب، في منتصف القرن الـ15، بغض النظر عن الحروب التي شغلت حيزاً ليس ضئيلاً بين الشرق والغرب، وذلك في مرحلة الإمبراطور ليون الثالث الإيساوري الذي كان يجيد اللغتين العربية والرومية معاً. وتدل أعماله التي قام بها على مدى التأثير الإسلامي في حياة بيزنطة، وهو الذي فتح أبواب الحوار مع «الآخر» عموماً. لقد أصدر في عام 726هـ مجموعة قانونية تُعرف باسم «الإيكولفا» لمساعدة القضاة على حل المسائل الشخصية، وقد روعي في وضع نصوصها تسرب كثير من العادات الشرقية إلى مجتمع الإمبراطورية، وهي عادات مؤثرة حملها المسلمون. وبكلمة أخرى كان ثمة انشقاق بين الحكم العسكري للأفراد، وجميع مؤسسات الحياة المدنية أو الاقتصادية أو القانونية أو الدينية (انظر كرون 2004: 245. العظمة 1997: 180).
وثمة نص مهم يشي بالأخلاقية الفكرية العالية التي تمتع بها عمر بن عبدالعزيز، إذ أمر بعد توليه الخلافة بنقل مدرسة الإسكندرية الفلسفية والطبية إلى أنطاكية، خوفاً عليها من هجمات الروم المتكررة على المدينة.
أما الفكرة التي وقفت في وجه مَن قلّلوا من العقلانية في التاريخ الإسلامي، فتجلت في المنظومة الفكرية والمنهجية التنويرية، ونعني بها المدرسة المعتزلية وما سبقها من إرهاصات ومقدمات. فوجود هذه المدرسة أحدث شرخاً في البناء الفكري الغربي على أيدي بعض المستشرقين، خصوصاً ذوي التوجهات العنصرية منهم، ممن خانوا قيم الثقافة العقلانية والتنويرية والإنسانية.
إن التخلف والتخليف مع الفساد والإفساد.. كلها معاً تملك إمكانيةً عاليةً للبقاء والاستمرار، ولإقصاء أي حلول مفتوحة على المستقبل. لذا نجد أن ثمة مجتمعات وقطاعات مجتمعية واسعة أصبحت يائسة في ظل الصراع القائم.
إن التاريخ مسار إنساني مفتوح، لاسيما في ظل الحداثة والتقدم والتنوير.. لكنه يحتاج مَن يأخذ المبادرة الصحيحة بتأسيس منظومة فكرية تعلي من شأن الكرامة الإنسانية. فالعقلانية والتنوير والفضيلة، إضافة إلى الحداثة والديمقراطية، كل ذلك يحتاج الإرادةَ والرؤيةَ.
ونلاحظ هنا أن المسألة المركزية الأولى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم تمثلت في إشكالية السلطة؛ تأسيساً وانتقالاً واستمراراً. وقد برز التجسيد الأول على هذا الصعيد من خلال موضوع «الخلافة». وهنا لا نجد معايير دينية تشير إلى مَن أوكلَ النبيُّ الخلافةَ. ذلك كان الاختبار الأول للمسلمين بعد الرسول، وكان من شأنه أن يؤسس لمسألة استمرار السلطة، بما فيها الخلافة. وكان أمراً مُلفتاً وتأسيسياً أن المسلمين، في حينه، لم يجدوا أمامهم تحديداً نبوياً لهوية المستخلَف! وهو أمر ذو أهمية مركزية في إقامة مجتمع يحركه مواطنوه بوعيهم وإراداتهم وتنظيمهم، وليس بمعايير دينية خالصة.
هكذا جاء حوار «سقيفة بني ساعدة»، بضوابط مدنية أولاً، ثم على ضوء حوار شوروي، وليس بتقرير نخبوي أو فردي، وبعقلية تاريخية تضبط الأحداث، ثم باللجوء إلى أداة تُشرك الجميع في الاختيار الحر والمفتوح في تحديد مَن يُدير السلطة: وهنا نرى أن ما حدث بأدوات شوروية، لم يكن أقل مصداقية مما سينمو لاحقاً تحت عنوان الديمقراطية، خصوصاً حين نرى في التاريخ البشري صنواً لما سينشأ لاحقاً، مع الأخذ بالاعتبار ما سيبرز تحت مفهوم «التاريخ المفتوح» الذي مثّل ويمثل نمواً نوعياً في تطور الوعي البشري.
لقد جاءت تلك التجربة الشوروية كمرحلة متقدمة من تطور المجتمع البشري ونموه العقلي الداعي لإقامة حوار كوني شامل. ومما أسهم في فتح الحوار بين الشرق والغرب، في منتصف القرن الـ15، بغض النظر عن الحروب التي شغلت حيزاً ليس ضئيلاً بين الشرق والغرب، وذلك في مرحلة الإمبراطور ليون الثالث الإيساوري الذي كان يجيد اللغتين العربية والرومية معاً. وتدل أعماله التي قام بها على مدى التأثير الإسلامي في حياة بيزنطة، وهو الذي فتح أبواب الحوار مع «الآخر» عموماً. لقد أصدر في عام 726هـ مجموعة قانونية تُعرف باسم «الإيكولفا» لمساعدة القضاة على حل المسائل الشخصية، وقد روعي في وضع نصوصها تسرب كثير من العادات الشرقية إلى مجتمع الإمبراطورية، وهي عادات مؤثرة حملها المسلمون. وبكلمة أخرى كان ثمة انشقاق بين الحكم العسكري للأفراد، وجميع مؤسسات الحياة المدنية أو الاقتصادية أو القانونية أو الدينية (انظر كرون 2004: 245. العظمة 1997: 180).
وثمة نص مهم يشي بالأخلاقية الفكرية العالية التي تمتع بها عمر بن عبدالعزيز، إذ أمر بعد توليه الخلافة بنقل مدرسة الإسكندرية الفلسفية والطبية إلى أنطاكية، خوفاً عليها من هجمات الروم المتكررة على المدينة.
أما الفكرة التي وقفت في وجه مَن قلّلوا من العقلانية في التاريخ الإسلامي، فتجلت في المنظومة الفكرية والمنهجية التنويرية، ونعني بها المدرسة المعتزلية وما سبقها من إرهاصات ومقدمات. فوجود هذه المدرسة أحدث شرخاً في البناء الفكري الغربي على أيدي بعض المستشرقين، خصوصاً ذوي التوجهات العنصرية منهم، ممن خانوا قيم الثقافة العقلانية والتنويرية والإنسانية.
إن التخلف والتخليف مع الفساد والإفساد.. كلها معاً تملك إمكانيةً عاليةً للبقاء والاستمرار، ولإقصاء أي حلول مفتوحة على المستقبل. لذا نجد أن ثمة مجتمعات وقطاعات مجتمعية واسعة أصبحت يائسة في ظل الصراع القائم.
إن التاريخ مسار إنساني مفتوح، لاسيما في ظل الحداثة والتقدم والتنوير.. لكنه يحتاج مَن يأخذ المبادرة الصحيحة بتأسيس منظومة فكرية تعلي من شأن الكرامة الإنسانية. فالعقلانية والتنوير والفضيلة، إضافة إلى الحداثة والديمقراطية، كل ذلك يحتاج الإرادةَ والرؤيةَ.