ثمة ملاحظة تاريخية منهجية يُستحسن التقيّد بها في حال التحدث عن ظاهرة منصرمة، ولم يبق منها سوى ما يوحي بها كظاهرة منصرمة، وهذا ما يفرض علينا القيام بعملية مركّبة ربما تُعيد ترتيب عناصرها على نحو يعيد لها وحدتها وكينونتها، كما تشكّلت في سياقها التاريخي.
وبالطبع، فإن ذلك قد يجسد عملية معقدة، خصوصاً وأن عناصر منها قد تفقد ترتيبها فيما طرأ عليها من نمو وتغيّر، وهذا أحد عناصر البحث التاريخي.
في الحال الذي وصلنا إليه من توصيف المسألة، تتحدد نقاط الابتداء بما وضعنا يدنا عليها، بالحدود التي وضعنا في يدنا عليها وعلى غيرها أولاً، وعبْر ما يمكن
أن يقدمه إكمال البحث فيما نحن بصدده الآن، بمساعدة ما ينشأ من عناصر أخرى تسهم في إيضاح الصورة. وقد ساهم في ذلك باحثون في التاريخ الحضاري العربي منذ البدايات وحتى القرن التاسع عشر، ومعه مشكلات وأسئلة العروبة والوطنية والأيديولوجية الفكرية، وذلك بالارتباط مع الثورات الأوروبية، إيجاباً وسلباً. وزاد الأمر مع التمدد الاستعماري الرأسمالي، وانفتاح نوافذ العالم بعضها على بعض، ومع ما راح يتكوّن تحت تسمية «حركات التحرر الوطني والقومي» في العالم العربي، وما رافقها من تحولات على مختلف الصعد.
كان ذلك قد تبلور في سياق نشوء المظاهر الأولى للتدخلات في «العالم الثالث».
وإذا تابعنا الوضع في الجزيرة العربية قبل الإسلام، لاحظنا أنها كانت مهددة بقوتين اثنتين، الساسانية في الشرق، والبيزنطية في الغرب. يضاف إلى ذلك أن «الدول المتضررة» قد انهارت وخضعت لسيطرة مباشرة من الأجانب في اليمن والعراق والشام، لتجد نفسها تحت مخاطر الانقسام الداخلي والخضوع للأجنبي، في وقت أخذت التجزئة تقتحم الجزيرة العربية، مُحدثةً «فوضى دينية» واضطرابات عامة.
ونتبيّن من التدقيق في القومية العربية أنها ذات بنية ثقافية، وهي لا تستند إلى العنصر أو النسب، كما لا ترتبط بحبْل تاريخي يفضي إلى شخصية تاريخية، لأن مفهوم الأمة العربية تكوّن حول «اللغة والتراث الثقافي والدور التاريخي للعرب». وهنا ينبغي التشديد على البلد التاريخي في نشوء مفهوم العروبة قبل الإسلام وبعده، حيث كان ذلك عنصراً أيديولوجياً حافزاً، ما أفضى إلى إنتاج حالة تاريخية محفّزة.
وهكذا وُلد التاريخ العربي ليكون توحيداً بين العنصرين الحاسميْن، العروبة والإسلام، دون إسقاط العناصر الأخرى التي عمقت الوحدة. لقد اقترن النمو العربي بالقوة الدافعة للإسلام، دون أن يهمل المكون المسيحي، حيث اعتبره جزءاً من المنظومة القائمة على مشاركة الجميع. وهنا نعود إلى ما فعله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وذلك حين اعتذر عن الصلاة في كنيسة القدس، وكأنه يؤسس لخطوة هائلة في تاريخ التعايش بين الأديان.
وإذا حاولنا الآن استخراج الدلالات التاريخية الحاسمة لموقف الحضارة العربية الإسلامية وما لازمها منذ ألف وأربع مائة سنة أو أكثر، سنرى أن سنوات التراجع الحضاري كانت حالة طارئة لا يُحسب لها حساب، بل مجرد نقاط سوداء تعِد في كل مرة بنشوء نُظُم عربية تعيد للعالم العربي ألقه وحيويته وقدرته على صناعة التاريخ، وفي عصرنا الحالي من خلال الديمقراطية والعقلانية والحداثة وإشراك الشعوب في ضبط مصائرها، ورفد طاقاتها بمزيد من القدرة على الإنجاز والبناء.. وهكذا تمكن إعادة الحرية والكرامة والاستقلال الوطني لشعوب عربية عانت خلال الأعوام الأخيرة على الخصوص.
وبالطبع، فإن ذلك قد يجسد عملية معقدة، خصوصاً وأن عناصر منها قد تفقد ترتيبها فيما طرأ عليها من نمو وتغيّر، وهذا أحد عناصر البحث التاريخي.
في الحال الذي وصلنا إليه من توصيف المسألة، تتحدد نقاط الابتداء بما وضعنا يدنا عليها، بالحدود التي وضعنا في يدنا عليها وعلى غيرها أولاً، وعبْر ما يمكن
أن يقدمه إكمال البحث فيما نحن بصدده الآن، بمساعدة ما ينشأ من عناصر أخرى تسهم في إيضاح الصورة. وقد ساهم في ذلك باحثون في التاريخ الحضاري العربي منذ البدايات وحتى القرن التاسع عشر، ومعه مشكلات وأسئلة العروبة والوطنية والأيديولوجية الفكرية، وذلك بالارتباط مع الثورات الأوروبية، إيجاباً وسلباً. وزاد الأمر مع التمدد الاستعماري الرأسمالي، وانفتاح نوافذ العالم بعضها على بعض، ومع ما راح يتكوّن تحت تسمية «حركات التحرر الوطني والقومي» في العالم العربي، وما رافقها من تحولات على مختلف الصعد.
كان ذلك قد تبلور في سياق نشوء المظاهر الأولى للتدخلات في «العالم الثالث».
وإذا تابعنا الوضع في الجزيرة العربية قبل الإسلام، لاحظنا أنها كانت مهددة بقوتين اثنتين، الساسانية في الشرق، والبيزنطية في الغرب. يضاف إلى ذلك أن «الدول المتضررة» قد انهارت وخضعت لسيطرة مباشرة من الأجانب في اليمن والعراق والشام، لتجد نفسها تحت مخاطر الانقسام الداخلي والخضوع للأجنبي، في وقت أخذت التجزئة تقتحم الجزيرة العربية، مُحدثةً «فوضى دينية» واضطرابات عامة.
ونتبيّن من التدقيق في القومية العربية أنها ذات بنية ثقافية، وهي لا تستند إلى العنصر أو النسب، كما لا ترتبط بحبْل تاريخي يفضي إلى شخصية تاريخية، لأن مفهوم الأمة العربية تكوّن حول «اللغة والتراث الثقافي والدور التاريخي للعرب». وهنا ينبغي التشديد على البلد التاريخي في نشوء مفهوم العروبة قبل الإسلام وبعده، حيث كان ذلك عنصراً أيديولوجياً حافزاً، ما أفضى إلى إنتاج حالة تاريخية محفّزة.
وهكذا وُلد التاريخ العربي ليكون توحيداً بين العنصرين الحاسميْن، العروبة والإسلام، دون إسقاط العناصر الأخرى التي عمقت الوحدة. لقد اقترن النمو العربي بالقوة الدافعة للإسلام، دون أن يهمل المكون المسيحي، حيث اعتبره جزءاً من المنظومة القائمة على مشاركة الجميع. وهنا نعود إلى ما فعله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وذلك حين اعتذر عن الصلاة في كنيسة القدس، وكأنه يؤسس لخطوة هائلة في تاريخ التعايش بين الأديان.
وإذا حاولنا الآن استخراج الدلالات التاريخية الحاسمة لموقف الحضارة العربية الإسلامية وما لازمها منذ ألف وأربع مائة سنة أو أكثر، سنرى أن سنوات التراجع الحضاري كانت حالة طارئة لا يُحسب لها حساب، بل مجرد نقاط سوداء تعِد في كل مرة بنشوء نُظُم عربية تعيد للعالم العربي ألقه وحيويته وقدرته على صناعة التاريخ، وفي عصرنا الحالي من خلال الديمقراطية والعقلانية والحداثة وإشراك الشعوب في ضبط مصائرها، ورفد طاقاتها بمزيد من القدرة على الإنجاز والبناء.. وهكذا تمكن إعادة الحرية والكرامة والاستقلال الوطني لشعوب عربية عانت خلال الأعوام الأخيرة على الخصوص.