تشير العديد من الدراسات الغربية حول التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في دول العالم النامي إلى أن الفساد الإداري والمالي منتشر بكثافة في هذه الدول، وإلى أنه هو السبب الرئيس في تخلفها عن ركب التنمية، فما هي مصداقية هذا الطرح؟ وما هو الفساد؟ وما هي حقيقة الإشارات بأن الفساد هو صفة ملازمة لدول بعينها من دون الأخريات؟ وبادئ ذي بدء لا بد من الإشارة إلى أن الفساد الإداري والمالي وحتى السلوكي والأخلاقي هو ظاهرة عالمية تعم المجتمع الإنساني في كل مكان وليس مقصوراً على دول بعينها في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، لكن الفساد في كل دولة على حدة له سماته وتجلياته التي تظهر بشكل خاص بها، بمعنى أنه موجود في دول العالم الصناعي، مثلما هو موجود في دول العالم النامي لكنه يظهر بصور مختلفة.
إذا ما تم الإقرار بأن الفساد هو سلوك ينبعث من الواجبات المناطة بأدوار يقوم بها موظفون رسميون عموميون، سواء أكانوا معينين أم منتخبين ويحدث بسبب من قبل أولئك الموظفين لتحقيق مكاسب شخصية عن طريق مخالفتهم وكسرهم للأحكام والقواعد والقوانين السارية، فإن المسألة تتعلق بالنفوذ الشخصي لأولئك البشر وبسلوكياتهم غير السوية طمعاً في تحقيق الجاه والنفوذ والثروات الشخصية.
وبذلك يتعلق موضوع الفساد بتحليل النظم السياسية للدول لكي يتم تحديد أسبابه وتأثيره السلبي عليها.
وتقوم الفرضية هنا على وجود وضع مختل في داخل النظام السياسي يراد تعديله، وهذا يحتاج إلى وجود دعم من المجتمع يضفي شرعية سياسية واجتماعية على أولئك الساعين إلى الاصلاح والقضاء على الفساد.
أي باحث يحاول القيام بتحليل سياسي لموضوع الفساد الإداري والمالي يصبح حتماً في مواجهة مشكلة ميثودولوجية تتعلق باختيار المنهج الواجب اختياره كأداة للتحليل.
المناهج المقبولة وعادة المستخدمة في البحث في علم السياسة كالمقابلات الشخصية والاستبيانات المكونة من أسئلة مباشرة والتحليلات الإحصائية لا يمكن استخدامها هنا طالما أن الفساد يعتبر ضبابياً. إن أقصى ما يمكن فعله لباحث علم السياسة هو مراقبة الظاهرة وتأثيراتها، وأن يجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات المحظور تداولها أو تعتبر سرية.
وحتى الإفصاحات الرسمية لمظاهر الفساد كتلك التي تعقب سقوط نظام سياسي ما لا تكشف ذلك القدر من المعلومات المصنفة بأنها سرية أو محظور التداول وتأثيرها بالقدر الذي يجب نشره وتداوله من قبل العامة.
عالم السياسة الذي يقوم بدراسة ظاهرة الفساد عليه أن يكون قادراً على تطويع التاريخ والثقافة واللغة والظروف القائمة لواحدة من الحالات الغنية والمعقدة التي حدثت والتي يمكن أن يستقي منها مادته العلمية وأن يفحص فرضياته التي يضعها.
ومن دون المعرفة الأساسية من الصعب أن يصبح بالإمكان تقديم أي نظرة ثاقبة فيما وراء ما هو موجود وقائم بالفعل بنفس الطريقة من دون ملاحظة دائمة ومستمرة للظاهرة على مدى فترة طويلة.
إن من المستحيل تقريباً القيام بفحص مصداقية وجود تعميمات محددة حول طبيعة وعمل الفساد.
إن جل من قاموا بمعالجة الفساد ونشروا أعمالهم كبحوث علمية قاموا بذلك كأمر جانبي مكمل لاهتماماتهم الأساسية، لذلك هم لم يقوموا بالقاء نظرة فاحصة على الظاهرة في بلد معين يتم اختياره كحالة صلبة لفترة زمنية تمتد لنحو عشرة أو عشرين عاماً. الدورة المكتملة للفساد تتطلب وقتاً لكي تكتمل قبل أن تفصح عن خباياها وأسرارها لكي يمكن مراقبتها.
*كاتب إماراتي