تعمل الإدارة الأميركية والوسيطان المصري والقطري على التوصل لوقف إطلاق النار، إلا أن كل الشواهد تشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية ماضية في نهجها الراهن، ولن تتوقف إلا بعد أن تستوفي أهدافها الرئيسة من استئناف الحرب على قطاع غزة، وتحقيق ما لم تحققه من قبل في الحرب المواجهة الأولى، والتي بدأتها منذ 16 شهراً وفشلت في تحقيق بعضها، وهو الأمر الذي يعني أن إسرائيل ستمضي في سياق من الخيارات أهمها العسكري، ووراء ذلك تولي رئيس الأركان الجديد آيال زامير بتاريخه العسكري المعروف عنه وقيادات جدد على رأس الوحدات النوعية وبعض التشكيلات العليا، ما يؤكد أن إسرائيل - وإن قبلت بتوقف الضربات استجابة لمطالب الوسيطين والعودة للتفاوض - إلا أن ذلك سيكون مرتبطاً بعناصر مهمة عدة أهمها، الضغط على حركة «حماس» لتسليم كل المحتجزين أولاً قبل الاتفاق على أي خطوة على عكس ما كان يجري في السابق، ومن خلال مرحلية الحل وعلى درجات، وعبر إجراءات تدريجية، وهو ما استفادت من خلاله حركة «حماس» في محاولة لاستعادة حضورها أمام الجمهور الداخلي، والتأكيد على تحقيق مكاسبها برغم ما آل إليه القطاع من تدمير مقدراته بالكامل، وهو ما يؤكد  أن الحركة فشلت في تقييماتها السياسية والأمنية، ولم يعد لديها سوى ورقة المحتجزين لتوظيفها، حيث من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية لم تخرج بعد من سياق المواجهة العسكرية إلى مواجهة دبلوماسية وتفاوضية حقيقية.
 وبالتالي فإنها لن تقبل بنصف حل أو شبه خيار، بل ستعمل على التوصل لاتفاق نهائي مع الإستمرار في تصفية وجود حركة «حماس» على الأرض، بما قد يشيع حالة من الفوضى في الداخل، وهو ما بدأته باستئناف سياسة الاغتيالات لعناصر حركة «حماس» المعروفين في قطاع غزة، وخاصة من الذين يعملون على الأرض، سواء الأمنيين أو الخدميين، ما يؤكد أن وراء استئناف الضربات التعامل الصفري مع حركة «حماس»، وعدم التوقف عند رؤية أو مقاربة محددة لا تركز فقط على العمل التفاوضي، أو العودة الي المشهد السابق، وهو أمر لن يحدث في ظل ما يجري من تطورات على الأرض، خاصة أن إسرائيل لن تفاوض على مراحل، أو تعود للاتفاق السابق، بل ستطرح إسرائيل استراتيجية التفاوض تحت النار، ومن خلال مقاربة مختلفة تركز على جني ثمار العملية العسكرية مجدداً، وعبر إجراءات وتدابير أمنية واستراتيجية.
 ومن ثم فإن مسارات إسرائيل التفاوضية - إنْ تمت - فستكون عبر تفاوض حاسم ونهائي، مع احتمالات العزف على خيار الحرب على درجات، وتوظيف القوة العسكرية لتحقيق ما تم الإعلان عنه من خلال رؤية أكثر وضوحاً واتساعاً، وهو ما يؤكد أن الحرب على قطاع غزة لن تتوقف إلا بعد أن تكون إسرائيل قد نقلت رسالتها إلى حركة «حماس» بأنه لا مجال للمناورة، أو العودة لأساليب التفاوض السابقة.
واللافت في سياق المواجهة الراهنة، أن إسرائيل تمكنت من تخريب قنوات التواصل المباشرة بين الإدارة الأميركية وحركة «حماس»، كما  دفعت المبعوث الأميركي ستيف وتكوف إلى تبني الرؤية الإسرائيلية للحل، فتطابق الموقفان الأميركي والإسرائيلي برغم أن حركة «حماس» حاولت المناورة في هذا السياق، وإحداث نوع من الانقسام في المواقف بين الجانبين، إلا أن التدخل الإسرائيلي العاجل أحبط هذا المخطط.
 في هذا السياق سيتعامل المبعوث الأميركي، انطلاقاً من مقاربة سياسية مشتركة، ولن يُدخل الإدارة الأميركية في حلبة طرح رؤى غير قابلة للحل، أو أنه سيعتمد استراتيجية أميركية منفردة، بل سيتبني الطرح الإسرائيلي، وإلا فإن الإدارة الأميركية ستترك الأمر لإسرائيل تقرره، أي أن العمل العسكري سيكون حاسماً لأي عمل تفاوضي لاحق في ظل ما يجري من تطورات قد تؤدي إلى اندلاع حرب كاملة على القطاع، وتهجير الفلسطينيين بالقوة، وعدم العودة مجدداً إلى طرح حل الهجرة الطوعية لخارج القطاع، كما سيكون الحل الدخول في إطار من الحسابات الرئيسة التي يمكن أن تضبط المشهد السياسي الراهن، من خلال تسوية ممكنة وواقعية بالنسبة للجانب الإسرائيلي الذي سيستثمر في المشهد السياسي الحالي، ولن يتراجع عن نهجه، سواء العسكري كما هو حاص،ل أو من خلال مشهد التفاوض والعمل على فرض استراتيجية الحل، مع عدم القبول بأي مسارات بديلة. 
يمكن التأكيد أن إسرائيل ستمضي في مساراتها الحالية مع إمكانية القبول بالحل الشامل. وفي حال تسليم المحتجزين فإنها ستعمل على توظيف القوة العسكرية لإنهاء حكم حركة «حماس» على الأرض، بل ولديها السيناريو الجاهز في احتلال القطاع بالكامل إلى حين تسليم القطاع لجهة عربية أو دولية لإدارته. 
وهذا ما يفسر أن إسرائيل لن تنظر لحل أميركي أو عربي في سياق ما يجري من إعادة هيكلة القطاع، وإعادة بنائه مجدداً إذ إنها ستعمل على تنفيذ المخطط السابق (تنفيذ التهجير الطوعي) بالكامل، وإخلاء القطاع ونزع سلاح الفصائل الفلسطينية أولاً قبل القبول بأي حل سياسي، أو اقتصادي ما يحقق أمن إسرائيل أولاً، ويمنع أية ارتدادات يمكن أن تحدث في المدى الطويل، وهو ما سيكون على رأس الأولويات ويصب في مصلحة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ومكونات ائتلافه الذي سيزداد تماسكه.
*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية