تشهد العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة مرحلة متقدمة من التعاون الاقتصادي والسياسي، لتعكس مدى الترابط العميق والشراكة الاستراتيجية التي تجمع الطرفين. وفي خطوة تعزّز هذا التوجه، أعلن البيت الأبيض عن التزام إماراتي بإطار استثماري طويل الأمد يمتدّ لعقد كامل، بقيمة تصل إلى 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة. ويمثّل هذا الالتزام نقلة نوعية في تعميق الروابط الاقتصادية، ويرسّخ أسس الثقة المتبادلة بين الدولتين.
وتشكّل الزيارة الرسمية التي قام بها سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، مستشار الأمن الوطني، إلى الولايات المتحدة، نقطة تحول بارزة في مسيرة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات والولايات المتحدة. وتأتي هذه الزيارة لتؤكد على عمق العلاقات الثنائية، وتطلعات الطرفين نحو توسيع آفاق التعاون في القطاعات الحيوية، مع تركيز خاص على التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، اللذين يعدان ركيزتين أساسيتين في تشكيل ملامح المستقبل الاقتصادي والاجتماعي على المستوى العالمي.
وتعكس هذه الزيارة التوجهات الاستراتيجية لدولة الإمارات نحو تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، والاستثمار في القطاعات المستقبلية التي تمثل عصب التنمية المستدامة. وفي هذا السياق، يبرز الذكاء الاصطناعي كمجال يحظى بأولوية كبرى، نظراً لما يقدمه من فوائد واسعة تمتدّ إلى مجالات حيوية مثل التعليم، والصحة، والتجارة، والصناعة، وحتى المجال العسكري. وتتجلى هذه الرؤية بوضوح في المبادرات التي يدعمها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والتي تهدف إلى ترسيخ مكانة الإمارات كمركز إقليمي وعالمي للابتكار والتكنولوجيا.
وتأتي زيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد في هذا الإطار، كخطوة عملية لترجمة هذه الرؤية إلى واقع ملموس. فقد شهدت الزيارة توقيع مشاريع استثمارية هامة بين شركة «G42» الإماراتية وشركة «مايكروسوفت» الأميركية، برعاية مباشرة من سمو الشيخ طحنون، مما يمثل نقلة نوعية في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي. هذه الشراكة لا تعزز فقط قدرات دولة الإمارات التكنولوجية، بل تسهم أيضاً في تعزيز مكانتها كمركز رئيسي للابتكار على الساحة الدولية.
لم تمر الزيارة دون أن تلقى صدى واسعاً على المستويين السياسي والإعلامي. فقد اعتبر معالي الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة أن هذه الزيارة تعكس «مصداقية الإمارات ونجاحها الاستراتيجي»، وأشار إلى أن التغطية الإعلامية الواسعة التي حظيت بها الزيارة، إلى جانب حجم الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، يعكسان في جوهرهما الثقة المتبادلة والرؤية المشتركة التي تجمع بين أبوظبي وواشنطن.
وفي ظل توقيت استثنائي يشهد تحديات اقتصادية وجيوسياسية غير مسبوقة، تبرز الإمارات كقوة محورية ذات تأثير عالمي. فمن خلال دبلوماسيتها النشطة واستثماراتها الاستراتيجية، تحوّلت الدولة من شريك اقتصادي وسياسي تقليدي إلى لاعب عالمي قادر على التأثير في مسارات المستقبل، سواء عبر تطوير الذكاء الاصطناعي أو توجيه استثمارات ضخمة نحو القطاعات الحيوية.
من جانبه، أشاد نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس، بالشراكة مع الإمارات، معرباً عن سعادة الإدارة الأميركية بوجود الوفد الإماراتي في واشنطن. وأكد فانس على نقطة جوهرية تربط بين الريادة في الذكاء الاصطناعي والريادة في إنتاج الطاقة، قائلاً: «إذا كنت تريد أن تكون رائداً في مجال الذكاء الاصطناعي، فيجب أن تكون رائداً في إنتاج الطاقة». هذا الربط يعكس فهماً عميقاً للتحديات التي تواجه التكنولوجيا الحديثة، ويبرز الدور الذي تلعبه دولة الإمارات كدولة رائدة في كلا المجالين.
وتؤكد زيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد إلى الولايات المتحدة على الدور المتعاظم للإمارات كشريك استراتيجي موثوق وقوة عالمية طموحة.
ومن خلال تعزيز التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، ودعم الاستثمارات المستقبلية، تواصل دولة الإمارات رسم معالم رؤيتها الطموحة، متسلحةً بمصداقيتها الدبلوماسية وقدرتها على بناء شراكات متوازنة تخدم مصالحها ومصالح حلفائها على حد سواء. إن هذه الزيارة ليست مجرد حدث دبلوماسي عابر، بل محطة استراتيجية تعزز من مكانة الإمارات كلاعب رئيسي في المستقبل.
* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.